<data:blog.pageTitle/>

This Page

has moved to a new address:

http://amirzaky.com

Sorry for the inconvenience…

Redirection provided by Blogger to WordPress Migration Service
شُغل صحافة

الاثنين، 17 ديسمبر 2018

new post


الأحد، 13 أبريل 2014

قصة لصمويل بيكيت تنشر هذا العام بعد رفضها من 80 سنة

قصة لصمويل بيكيت تنشر بعد رفضها من 80 سنة

داليا آلبيرج
ت: أمير زكي


***

قصة لم تنشر من قبل لصمويل بيكيت ستباع في المكتبات لأول مرة، بعد 80 عاما من رفض ناشره لها معتبرا إياها كابوسا للقراء وجعلته يغتاظ.

القصة الملغزة بعنوان "عظام الصدى" كان من المفترض أصلا أن تصبح القصة الأخيرة في المجموعة القصصية "رفسات أكثر منها ركلات"، المجموعة المكونة من قصص متصلة ونشرت عام 1934. ولكن الناشر في هذا الوقت، تشارلز برينتس بدار شاتو وويندوس، رفض الحكاية لأنها صعبة وغريبة جدا. أبلغ برينتس الخبر لبيكيت في خطاب فظ: "إنها كابوس.. إنها أغاظتني... أنا متأكد أن عظام الصدى ستجعل الكتاب يفقد العديد من القراء. سيضطرب الناس ويتحيرون ويرتبكون. ولن يتحمسوا لتحليل الاضطراب". مضيفا: "أنا أكره قول هذا".

القصة المكونة من 13,500 كلمة لم تُضَمَّن في المجموعة المنشورة وظلت مختبئة من ساعتها في الأراشيف الأمريكية، متلقية اهتماما محدودا من دارسي بيكيت. نشر دار "فيبر آند فيبر" لها في 17 أبريل سيكون حدثا كبيرا للمعجبين بالكاتب الأيرلندي ومؤلف "في انتظار جودو"، الذي مات عام 1989. فاز بيكيت بجائزة نوبل في الأدب عام 1968 وألهم أدباء عظام آخرين مثل هارولد بنتر.

حرر الطبعة الأخيرة من المجموعة د. مارك نيكسون، القاريء بالأدب الحديث بجامعة ريدينج، وهو أيضا مدير مؤسسة بيكيت العالمية، هو رئيس مجتمع صمويل بيكيت ونشر بشكل واسع عن أعمال بيكيت. كتب نيكسون في المقدمة: "الاعتبار الأدبي لعظام الصدى واضح: وبالإضافة إلى ذلك هي وثيقة مهمة".

كان برينتس ناشر يصعب إرضاءه. عام 1932 رفض أيضا عمل بيكيت السردي الأساسي الأول وهو روايته: "حلم جميل لنساء عاديات" كـ "شي غريب" على الرغم من أنه اعترف لاحقا بأن "ربما كنت على خطأ". شعر أن المشكلة هي أنه "لم يفهم نصفها". حتى نشرت بعد وفاة بيكيت عام 1992.

عندما تلقى برينتيس المسودة لمجموعة "رفسات أكثر منها ركلات" في سبتمبر 1933، طلب من بيكيت أن يزيد حجمها بإضافة قصة أخرى: "10,000 كلمة أخرى أو حتى 15,000 لهذا الغرض، وأنا متأكد أن هذا سيساعد الكتاب". ولكن برفضه لعظام الصدى، نشر المجموعة بعد عدة أشهر بـ 10 قصص وليس 11.
القصة المرفوضة تحتوي على بطل القصة التاسعة، الأصفر. في "الأصفر" الشخصية الرئيسة، بيلاكوا، يموت بعد إجراء جراحة في المستشفى. في "عظام الصدى" يواجه بيلاكوا ما بعد الموت.

في ديسمر عام 1933، كتب بيكيت لصديق أن رفض القصة "التي وضعت فيها كل ما أعرفه والكثير مما أنا مهتم به بشكل كبير، أحبطني بعمق".

يعتقد نيكسون أن فشل القصة دفع بيكيت ليكتب قصيدة بالاسم نفسه، ليستخدم العنوان مجددا في مجموعته الشعرية الأول "عظام الصدى ورواسب أخرى"، التي نشرت عام 1935.

يكتب في المقدمة أنه بالقراءة الأولى لقصة "عظام الصدى" لا يمكن للمرء سوى أن يتعاطف مع قرار برينتس، لأن القصة "صعبة وغامضة في بعض الأحيان" مضيفا "ولكن إن كانت القصة جامحة وغير منظمةـ فهي كذلك بشكل رائع... عظام الصدى بلا شك دالة بشكل مكثف، جويسية أكثر من من أي عمل مبكر آخر لبيكيت؛ سواء في المستوى السردي أو البناء، انها تستخدم مساحة من المواد، من العلوم إلى الفلسفة إلى الدين إلى الأدب... وتمزج الحكايات الخيالية بالأحلام القوطية بالأساطير الكلاسيكية، عظام الصدى في أجزاء منها قصة رائعة ممتلئة بالعمالقة والمنازل الشجرية ونباتات اللفاح والنعام وعوش الغراب، تميل إلى تقليد القصص الشعبية كما اشتهرت على يدي ييتس والأخوين جريم".

سؤل نيكسون لم استغرق هذا الوقت الطويل قبل نشر القصة، فأجاب لجريدة الأوبزرفر: "أثناء حياته، كان بيكيت أقرب للسلبية تجاه معظم أعماله التي كتبت في الثلاثينيات، وكان متحفظا تجاه السماح بإعادة نشر النصوص التي نشرت في هذا العقد... لم نكن لننشر هذا النص لو كان ببساطة قد تجاهلها أثناء عملية الكتابة. أراد بيكيت بشكل واضح أن ينشر النص، وهذا هو سبب أنه كتبه وقدمه لدار شاتو، ليكون تحت تصرفهم".


إدوارد بيكيت ابن أخ الكاتب والقيم على أعماله صرح للأوبزرفر: "هذا نص مهم جدا، أمر طيب أن يصير 
متاحا بعد وقت طويل".

التسميات: ,

السبت، 21 ديسمبر 2013

ملفات سارتر وكامو في الإف بي آي

تاريخ مراقبة كبار الكتاب
ملفات سارتر وكامو في الإف بي آي

كتب - أمير زكي


***

يبدو أن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي "الإف بي آي" لم يكن مشغولا فقط بالتحقيق في الجرائم الخطيرة التي تحدث في أمريكا، ولا حتى المشاركة في الأعمال المخابراتية التي تهتم بها أجهزة أخرى بالولايات المتحدة الأمريكية، أو المشاركة في تصفية الخصوم السياسيين كما اتهمه المفكر الأمريكي نوام تشومسكي أكثر من مرة، بل كان أيضا يسعى وراء مشاهير كتاب الفلسفة والأدب لأسباب مختلفة. أثير الأمر مجددا عندما كتب آندي مارتن أستاذ اللغة الفرنسية بجامعة كامبريدج ومؤلف كتاب "الملاكم وحارس المرمى: سارتر في مواجهة كامو" مقالا بمجلة بروسبكت البريطانية في الشهر الماضي يتحدث فيه عن أن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي (FBI) بقيادة مديره الشهير آنذاك إدجار هوفر راقب الفيلسوفين الفرنسيين سارتر وكامو لأسباب عدة منها الخوف من كونهما يروجان للأفكار الشيوعية أو إيذاء البلاد.



الوثائق التي تظهر من عدة سنوات بشكل قانوني بسبب قانون حرية المعلومات الأمريكي، تؤكد أن كامو وسارتر ليسا الضحيتين الوحيدتين لتتبع الإف بي آي، فإلى جانب الفرنسيين الشهيرين هناك قائمة من الكتاب الأمريكان تعرضوا لهذه المطاردات، منهم الروائي نورمان ميلر والشاعر تشارلز بوكوفسكي. مطاردة عملاء الإف بي آي البعيدين عن عالم الكتب والفلسفة للأدباء جعلت هؤلاء المحققين مضطرين إلى أن يلقوا نظرة على كتب وأفكار هؤلاء الكتاب، مما جعل آندي مارتن يصفهم بأنهم أشبه بشخصيات "الشرطيون المتفلسفون" وهي شخصيات ابتكرها الكتاب الإنجليزي ج. ك شسترتون في روايته "الرجل الذي كان الخميس"؛ وهم في روايته كانوا يسعون وراء الفوضويين، وعلى حد تعبير شسترتون في الرواية هم يختلفون عن المحققين العاديين في أنهم لا يسعون وراء اللصوص بل يدورون في الاجتماعات بحثا عن المتشائمين.  تعليقا على الأوراق التي كشفها آندي مارتن يتساءل الصحفي جوستين بيترز عن كمية الوقت والأموال الضائعة التي أهدرها عملاء الإف بي آي بحثا وراء أناس لم يقوموا بإيذاء أحد. ونحن هنا نرصد طبيعة بحث عملاء الإف بي آي عن عدد من الكتاب والفلاسفة.

كامو وسارتر

بدأ اهتمام الإف بي آي بسارتر من بداية الستينيات، بسبب عضويته لـ "لجنة اللعب النظيف من أجل كوبا" التي كانت تؤيد الثورة الكوبية في مواجهة هجوم الولايات المتحدة عليها، هذه اللجنة التي ضمت العديد من الأسماء الفكرية المهمة مثل ترومان كابوتي ونورمان ميلر وآلن جينسبرج، ولكنها ضمت أيضا لي هارفي أوزوولد المعروف باغتياله للرئيس الأمريكي جون كينيدي. لذلك يتساءل آندي مارتن في مقاله بمجلة بروسبكت بسخرية إن كان الإف بي آي قد تشكك في أن سارتر هو الرجل الثاني الذي قام بإطلاق النار على كينيدي، في إشارة إلى النظريات الأحدث التي تقول إن أوزوولد ليس مطلق النار الوحيد المتسبب في اغتيال كينيدي كما انتهت التحقيقات الأولية بل أن هناك مطلق نار آخر. في النهاية يشير مارتن إلى أن سارتر كان في الأغلب في باريس وقت اغتيال كينيدي إذ كان يعمل على مسودة كتابه"الأزمنة الحديثة".

بالإضافة إلى ذلك كانت تصريحات سارتر مقلقة للإف بي آي بقيادة مديرها الشهير تاريخيا إدجار هوفر، فيصف سارتر الولايات المتحدة بأنها "دولة بلا رأس". هذا غير صداقات الفيلسوف الفرنسي بالشيوعيين وبكاسترو وبرتراند راسل، وأيضا سارتر أعلن رفضه للتدخل الأمريكي بفيتنام.

ووفقا لآندي مارتن في مقاله ببروسبكت اهتم الإف بي آي أيضا بالمفكر الفرنسي آلبير كامو. وتعود قصة الاهتمام به إلى عام 1946، إذ كتب جون إدجار هوفر مدير الإف بي آي خطابا إلى أحد العملاء بمكتب نيويورك طالبا منه أن يهتم بآلبير "كانو" (أخطأ في هجاء الاسم الصحيح) الذي يراسل جريدة "كومبات" من نيويورك": "ويرسل تقارير غير صحيحة ومؤذية للمصلحة العامة للبلد". طلب هوفر أيضا في خطابه أن يقام "تحقيق أولي للتأكد من خلفيات ونشاطات وانتماءات (كانو)". يذكر مارتن أنه أحد عملاء الإف بي آي واتته الشجاعة ليخبر هوفر أن الاسم الصحيح هو "آلبير كامو" ولكن ليخفف وطأة تصحيح الخطأ على مديره أخبره أنه ربما يستخدم اسم "كانو" المستعار رغبة في التخفي.

يسخر الصحفي جوستين بيترز في تعليقه على هذا الخبر في مجلة سليت، خاصة لحاجة رجال الإف بي آي أن يقرأوا رواية مثل "الغريب" لكامو للوصول إلى كتابة تقرير مناسب عن الكاتب الفرنسي.

واجه عملاء الإف بي آي عدة مشكلات في التعامل مع سارتر وكامو منها أنهما يكتبان باللغة الفرنسية، لذلك اشتكى أحد العملاء في أحد التقارير أنه لا يستطيع قراءة الدفاتر المسروقة من الفيلسوفين بسبب لغتها الفرنسية، وأنه طلب من المترجمين أن يعملوا عليها حتى يتم التحقيق بشكل منضبط.

يعود مارتن ويرى أن أحد الأغراض الأساسية لبحث الإف بي آي  كامو وسارتر هو معرفة إن كانت الأفكار الوجودية والعبثية هي مجرد واجهة تخفي وراءها الأفكار الشيوعية، تلك التي كانت تشغل إدجار هوفر بشكل كبير. ولكن يبدو أن الفيلسوفين كانا مربكين بالنسبة لعملاء الإف بي آي فقد كتب أحد العملاء في تقرير له أن "سارتر يمكن أن يوصف بأنه مؤيد للشيوعية وهو يؤيد الشباب على عدم الإيمان بالروحانيات، ولكن في الوقت نفسه يصفه البعض الآخر بأنه ضد الشيوعية".

كذلك يبدو أن كتب ألبير كامو قد أثرت على أسلوب كتابة التقارير لدى عملاء مكتب التحقيقات، فقد كتب العميل جيمس آندرهيل الذي كان يرصد آلبير كامو ذو الطبيعة المتهربة في تقريره: "لا يُظهر هذا الملف حكمنا النهائي".

هذا يدل – كما يقول جوش جونز في موقع "أوبن كالتشر" – إلى أن عملاء الإف بي آي لم يستوعبوا الطبائع المنوعة عند الكاتبين الفرنسيين، لأنهم اعتادوا بشكل أكبر على لوني الأبيض والأسود وعالم مكون من جواسيس في مواجهة جواسيس.


نورمان ميلر

الكاتب الأمريكي نورمان ميلر كتب بجريدة "اسكواير" مقالا انتقد فيه جاكلين كينيدي السيدة الأولى بأمريكا آنذاك معلقا أنها "معسولة الكلام جدا بالنسبة لسيدة أولى". قرأ إدجار هوفر هذا المقال في الواشنطن بوست عام 1962، وكتب لعملائه فورا: "أحضروا لي مذكرة عن نورمان ميلر". كما سرد ذلك مقال بالواشنطن بوست عام 2008. كان على عملاء الإف بي آي أن يقرأوا كتابات ميلر إلى جانب متابعة تفاصيل حياته. أحد العملاء كتب في تقرير له عن رواية ميلر السياسية "ميامي وحصار شيكاجو" قائلا "يحتوي الكتاب على إشارات إلى المقولات الفارغة - من النوع المتوقع من ميلر - المتعلقة بالإف بي آي ومديره". ويضيف في التقرير: " (الكتاب) مكتوب بوقاحة (ميلر) المعتادة وأسلوبه اللاذع". يعلق الصحفي جوستين بيترز على الجملة الأخيرة قائلا إنها جملة يفخر بها أي عارض للكتب.

ميلر كان معروفا برأيه المنتقد اللاذع تجاه الإف بي آي، وقد ذكرت إحدى تقارير المكتب أنه قال إن الإف بي آي قام بإيذاء أمريكا أكثر مما فعل الشيوعيون.

إحدى التقارير التي تعود لعام 1962 أشارت إلى أن ميلر يعترف أنه يساري، وأنه وصف الإف بي آي على أنها منظمة بوليس سري. وأضيف في التقرير تعليق أحد الصحفيين أن ميلر "شيوعي متخفي".

استمر عملاء الإف بي آي في متابعة ميلر لأكثر من 15 عاما. متعقبين كل تفصيلة صغيرة وكبيرة في حياته. تكلموا مع أصدقاءه وانتحل أحد العملاء شخصية صديق له حتى يحدث والده، ودخلوا بيته كعمال توصيل طلبات للمنازل. ليعودوا ويكتبون التقارير التي يقدمونها لهوفر.

ولكن حتى بعد موت إدجار هوفر عام 1972 ظل ميلر على قائمة اهتمامات الإف بي آي. خاصة عندما على مكتب التحقيقات أن ميلر ينوي تأليف كتاب عن مارلين مونرو، وسوف يشير أن الإف بي آي أخفى المعلومات الحقيقية وراء موتها. والكتاب صدر بالفعل عام 1973.

ويمتد مجموع تقرير الإف بي آي عن نورمان ميلر الذي ظهر في جريدة الواشنطن بوست إلى 166 ورقة.

تشارلز بوكوفسكي

بدأ تتبع بوكوفسكي من عام 1968 بسبب كتابه "مذكرات رجل عجوز قذر" الذي آثار ريبة مكتب التحقيقات. ولكن وفقا لجريدة لوس آنجلس تايمز فيبدو أن الشاعر العجوز الذي وصف نفسه بالقذر لم يظهر هذه القذارة في تصرفات حياته البادية للإف بي آي، فحسب التقرير الذي يتجاوز المائة ورقة يقول عنه أحد جيرانه إنه رجل هاديء ومن النادر أن يأتيه ضيوف وإنه لم ير أحدا امرأة تزوره، هذا الذي جعل الصحفي جوستين بيترز يقول ساخرا إن مثل هذه المعلومات لو كانت نشرت في وقتها لدمرت سمعة تشارلز بوكوفسكي.

تضم أوراق الإف بي آي التي نشرها موقع بوكوفسكي على الإنترنت العناوين التي سكن بها والوظائف التي التحق بها، وعدد المرات التي تم القبض عليها فيها بسبب مشاجرات أو بسبب السُكر. وتعليقات على كتابه "مذكرات رجل عجوز قذر"، وتفاصيل علاقاته وزواجه، ربما كان أبرز ما كشفته أوراق الإف بي آي هو التشكك في أن بوكوفسكي كانت له زوجة قبل أول زوجة معروفة له.

ويليام فيلمان

قد تظن أن تصرفات الإف بي آي هي تصرفات قديمة استمرت من الأربعينيات إلى نهاية الستينيات، أو هي منحصرة في فترة إدارة إدجار هوفر الذي أدار المكتب من عام 1935 حتى وفاته عام 1972؛ تلك الفترة التي كانت حافلة بالأحداث ومتوجسة من أي إتجاه يساري أو شيوعي في أمريكا ولكن يتضح أن الأمر ليس كذلك.
ويليام فولمان الروائي المعروف باهتمامه بموضوعات متطرفة في كتبه، هذا الذي جعله يتجول مع المجاهدين الأفغان في بداية الثمانينيات ويغطي حرب البوسنة عام 1994، تشكك فيه الإف بي آي باعتباره القائم على عدة تفجيرات متسلسلة في التسعينيات  والذي اشتهر آنذاك باسم Unabomber، وقد تم اكتشاف أن القائم بهذه التفجيرات هو الأكاديمي المختص بالرياضيات تيد كازينسكي. فولمان المولع بمشاهد العنف في رواياته والمعارض دوما للحكومة قال في إحدى الحوارات تعليقا على اكتشافه لتتبع الإف بي آي له إنه لا يلقي عليهم اللوم في ذلك ولكنه يجد مشكلة في أنهم بعدما قبضوا على القائم بالتفجيرات ظلوا يتتبعونه أيضا لمدة عامين. كتب الإف بي آي مئات الصفحات عن فولمان الحاصل على الجائزة الوطنية الأمريكية للكتاب وذكروا في أحد التقارير أن موضوعات كتبه "مضادة للتقدم"، هذا الذي قد يكون سببا رئيسيا لتتبعه طوال هذه السنوات.

التسميات: ,

الأحد، 6 أكتوبر 2013

فيلم عن سالينجر ووعد بنشر كتب جديدة له

مايكل سيبلي - جولي بوسمان
25 أغسطس 2013

ترجمة أمير زكي
6 أكتوبر 2013
***

لم ينته نشر كل أعمال سالينجر كما يبدو، وفقا لمزاعم ذُكرت في فيلم وكتاب صدرا بداية هذا الشهر.

عُرف سالينجر، الذي توفى عام 2010 عن 91 عاما، بأعماله الأدبية الرائعة والقليلة، التي كانت على رأسها الرواية التي حصلت على نجاح كبير "الحارس في حقل الشوفان" والتي نشرت عام 1951.

ولكن  فيلم وثائقي اسمه "سالينجر" وكتاب بالاسم نفسه يرتبط بالفيلم، احتويا على تأكيدات مفصلة بأن السيد سالينجر أشار بنشر خمسة كتب أخرى على الأقل – بعضها كتب جديدة تماما، وبعضها كتب مكملة لما نشر – في ترتيب رغب في أن يبدأ عام 2015.

الكتب والقصص الجديدة التي كتب معظمها قبل أن يضع أعماله في وديعة عام 2008، ستوسع ميراث سالينجر بشكل كبير.

إحدى المجموعات التي ستسمى "عائلة جلاس" ستضيف خمس قصص جديدة لمجموع القصص الذي نشر سابقا عن عائلة جلاس المتخيلة، التي ظهرت في كتاب سالينجر "فراني وزوي" وفي أماكن أخرى، وفقا لمزاعم ظهرت في لقاءات ومقالات في الفيلم الوثائقي والكتاب.

مجموعة أخرى ستحتوي على نسخة مراجعة من القصة المعروفة ولكن غير المنشورة "آخر وأفضل قصص بيتر بان" التي ستُجمع مع قصص جديدة، والأعمال الموجودة عن عائلة كولفيلد المتخيلة ومنها (الحارس في حقل الشوفان). يقال إن الأعمال الجديدة تتضمن قصة تتضمن تعاليم كثيرة من فلسفة الفيدانتا الدينية التي انغمس سالينجر فيها بعمق؛ بالإضافة إلى رواية تدور في الحرب العالمية الثانية، ومبنية على قصة زواجه الأول؛ ورواية قصيرة اعتمدت على تجاربه مع الحرب.

لعقود طويلة قال الناس الذين يتعاملون مع سالينجر إنه استمر في الكتابة، وإن توقف عن النشر بعد القصة الطويلة (16 هابوورث 1924) التي نشرت في النيويوركر. ولكن لم يزعم أحد بشكل تفصيلي من قبل أن سالينجر ترك خطط لنشر أعماله بعد وفاته.

ماثيو سالينجر، ابن سالينجر، والذي يشارك مسئولية ميراث سالينجر مع كولين أونيل أرملة الكاتب، رفض مناقشة الخطط أو الكتاب أو الفيلم، وقال إن أونيل - التي لم ترد مباشرة على أسئلتنا - سترفض التعليق أيضا.

في لقاء معه تم في بداية هذا العام، قال ماثيو سالينجر إنه يتشكك أن الكتاب والفيلم الوثائقي سيزيدوا من الفهم العام لأبيه، الذي حصر نفسه في التعامل الحميمي مع دائرة صغير لا تزيد عن سبعة أو ثمانية أشخاص.

أخرج الفيلم الوثائقي شين ساليرنو، المخرج الذي قضى تسع سنوات يبحث ويصور الفيلم الذي أصدرته شركة فاينشتاين في 6 سبتمبر وسيعرض في شبكة التلفزيونات الأمريكية في سلسلة الأساتذة الأمريكان. والكتاب المصاحب كتبه ديفيد شيلدز، ونشرته دار نشر سايمون وشوستر في 3 سبتمبر.

متحدثا من مكتبه بلوس آنجلس، أشار السيد ساليرنو إلى الطاولات والأرفف الممتلئة بالصور ومئات الخطابات وحتى مذكرات من الحرب العالمية الثانية لأحد أصدقاء العمر لسالينجر وهو زميله الجندي الراحل بول فيتزجيرالد وكلها لم تنشر من قبل.

يقول السيد ساليرنو: :"إن كانت هذه الأشياء لا تعبر عن دائرته المقربة، فلا أعلم إذن ما هي دائرته المقربة".
معرفته بخطط النشر تشكلت – كما يقول ساليرنو – في وقت متأخر أثناء بحثه.

الكتاب والفيلم نسبا قصة مفصلة عن الخطط لمصدرين مجهولين، كل منهما تم وصفه في الكتاب على أنه "مستقل ومنعزل". رفض السيد ساليرنو التوضيح، وإن وصفهما على أنهما شخصان لا يتحدثان إلى بعضهما البعض، ولكنهما يعرفان عن الخطط.

يقول السيد ساليرنو عن الفصل الأخير الي يحتوي على وجهات النظر عن المنشورات الجديدة والمعنون بـ "أسرار": "مصداقية الفصل الأخير متحققة من الـ 571 صفحة التي تسبقه". وأشار السيد ساليرنو إنه لقى بعض التعاون المبدئي من أفراد من عائلة سالينجر ولكنه سحبوا دعمهم بعد ذلك.

الكتاب والفيلم تم تسويقهما مع وعد بمعرفة أشياء جديدة عن السيد سالينجر الذي كان ميله الشديد للخصوصية صفة مميزة له. في الأسبوع الماضي فاينشتاين ودار نشر سايمون وشوستر بدآ الحملة الدعائية التي ضمت بوستر  يظهر فيه سالينجر وإصبعه على فمه تحت تحذير: "اكشف الغموض ولكن لا تفسد الأسرار!" الكتاب المكون من 698 صفحة والمصاحب للفيلم مكتوب على طريقة التاريخ الشفوي، مع مقتطفات من آراء عشرات الناس الذين أجرى القائمون على المشروع معهم لقاءات.

جوناثان كراب، الناشر في دار سايمون وشوستر، قال في لقاء له إن الكتاب له "طابع صحفي رئيسي".
وأضاف السيد كارب: "هو اعتمد بالفعل على مصادر مجهولة، وتحدثت إلى المخرج عن ذلك، ولكن أعتقد أنها مصادر قوية اعتمادا على بقية المصادر المذكورة التي لا يمكن التشكيك فيها".

يقول السيد كارب عن "الاكتشاف الكبير" للمسودات غير المنشورة: "عندما تنشر، أتوقع أنها ستكون أهم المنشورات خلال عام، إن لم يكن خلال عقد".

الفيلم والكتاب يقدمان فكرة مفصلة وأحيانا غير مناسبة عن حياة الكاتب الذي شارك مع قوات الحلفاء في غزو نورماندي في الحرب العالمية الثانية، وكان من أول من دخلوا معسكر كوفرينج الرابع (معسكر الموت) أثناء خدمته في قوات المخابرات المضادة، عانى من انهيار عقلي وعاد إلى الولايات المتحدة – مع زوجته سيلفيا ولتر – حيث حصل على الشهرة الأدبية.

من ضمن الاكتشافات الجذابة، يقدم السيد ساليرنو والسيد شيلدز تفاصيل غير معروفة كثيرة وصور لزوجة السيد سالينجر الأولى؛ السيدة ولتر، المواطنة الألمانية التي تزوجته بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا الوقت، عام 1945، كان السيد سالينجر يعمل كعميل في المخابرات المضادة، حيث يدرس أين يختبيء النازيون.

ولكن الكتاب يذكر عناصر متشككة عن السيدة ولتر ترى أنها ربما تكون مخبرة للجستابو، هذه إمكانية ذكرها أصدقاء السيد سالينجر فيما بعد الحرب. وإلا لم انتهى الزواج؟. بعد أسابيع من عودة المتزوجين حديثا إلى بيت سالينجر في نيويورك: "وجدت على طبق الإفطار تذكرة طائرة متوجهة إلى ألمانيا".

تم ذكر علاقة أخرى في الكتاب والفيلم ستهم الكثير من دارسي سالينجر: بعد الحرب. قابل سالينجر فتاة في الرابعة عشر تدعى جين ميلر، في منتجع سياحي بفلوريدا. تبادلا الخطابات لعدة سنوات، وقضيا الوقت معا في نيو يورك وفي النهاية دخلا في علاقة جسدية قصيرة. (قالت ميلر في لقاء بالفيلم والكتاب إن السيد سالينجر تركها في اليوم الذي تلا اللقاء الجنسي). قالت السيدة ميلر في الكتاب أن السيد سالينجر رآها مرة وهي تمنع نفسها عن التثاؤب أمام امرأة عجوز، واستخدم هذه الحركة في واحدة من قصصه القصيرة "إلى إزمي.. مع الحب والبؤس".

وأضافت السيدة ميلر في لقاء بالكتاب: "قال لي إنه لم يكن ليكتب (إزمي) لو لم يلتقيني".

بالسبة للسيد ساليرنو فإصدار الكتاب والفيلم يدعم رحلة البحث التي أخذته بعيدا عن مهنته ككاتب سيناريو بهوليود لأفلام مثل "الهمج" أو مجموعة الأجزاء القادمة لفيلم "آفاتار".

لا يتوقع السيد ساليرنو، أن دار "ليتل وبراون وكومباني" التي نشرت "الحارس في حقل الشوفان" هي بالضرورة التي ستنشر الأعمال اللاحقة (رفض الناشر التعليق). وقال إنه مقتنع إن ميراث سالينجر له الحق في أن تنشره دار أخرى.


ويضيف السيد ساليرنو: "سيعيش سالينجر فصلا حياتيا ثانيا على خلاف أي كاتب في التاريخ، لا يوجد أحد سبقه في ذلك".

التسميات: ,

الثلاثاء، 23 يوليو 2013

سنة الأحلام الخطيرة - سلافوي جيجيك

سنة الأحلام الخطيرة - سلافوي جيجيك

نُشر بجريدة الأخبار الأدب 21 يوليو 2013

***

امتلأ عام 2011  بالمظاهرات الغاضبة حول العالم، وبينما توقفت هذه المظاهرات في بعض البلاد على مجرد التعبير عن الغضب، تحولت في بلاد أخرى إلى ثورات. خصص الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك كتابه "سنة الأحلام الخطيرة" لهذا العام المتوتر، مضيفا إلى المظاهرات المتحررة التجليات العنصرية في أوروبا التي كان مثالها الأبرز قيام النرويجي أندريش برايفيك بتفجيرات أدت لمقتل 77 شخصا، وكيف أن الاتجاهات اليمينية في العالم تنظر للمهاجرين كسبب أساسي للمشكلات الاقتصادية في بلادها، منتقلا إلى الحديث على مظاهر جديدة للرأسمالية يصبح فيها عدد كبير من البروليتاريا غير مؤهل للعمل. جيجيك يخصص فصلا كاملا من كتابه ليتحدث عن الربيع العربي، مشيرا إلى  أن الطبيعة الثورية كامنة في الثقافة الإسلامية، ولافتا النظر إلى ضرورة الإخلاص للطابع المتحرر للانتفاضات العربية رغم ما يبدو من أنها تنتهي بانتصار الإسلام السياسي. ولا يخلو الكتاب من الحديث عن تجليات الثقافة الشعبية التي يهتم بها جيجيك بشكل خاص، إذ يتحدث عن المسلسل التلفزيوني الأمريكي "الشبكة" وكيف يعبر المسلسل عن الحاجز الذي يفصل أمريكا الغنية عن الفقيرة.

الفصل المنشور (وهو الفصل السابع من الكتاب) يتحدث عن مظاهرات حركة "وول ستريت" وكيف أنها تتشابه مع كل المظاهرات الأخرى في العالم، وبينما يشير جيجيك إلى خطورة كون هذه المظاهرات لا تحمل مطالب أو تنظم نفسها بشكل متماسك، محذرا من أن تقتصر على مجرد احتفالات كرنفالية، أو أن يكتفي المتظاهرون بالاحتفاء بالطابع الجمالي لفشلهم المتكرر، إلا أنه يشير أيضا إلى أنها جميعا تعبر عن ضيق من النظام الرأسمالي العالمي وشكل الديمقراطية المنتشر في العالم حاليا.

سلافوي جيجيك فيلسوف سلوفيني ولد عام 1949، مشهور باتجاهه اليساري واستخدامه للتحليل النفسي في تنظيراته، متأثرا بأسماء كبيرة كالألمانيين هيجل وماركس، والفرنسي جاك لاكان. ورغم صعوبة كتابته وجديتها إلا أن اهتمامه بمناقشة تجليات الثقافة الشعبية في العالم إلى جانب أسلوبه العصبي في الحديث وإلقاء المحاضرات أضفيا عليه شهرة كبيرة حتى أن البعض يطلق عليه "إلفيس بريسلي الفلسفة". من كتبه: "أقل من لا شيء" و"العيش في الأزمنة الأخيرة" و"أولا كمأساة وثانيا كلمهاة" و"في الدفاع عن الأسباب المفقودة".


احتلوا وول ستريت، أو الصمت العنيف للبداية الجديدة

ترجمة: أمير زكي

ما الذي يمكن فعله في أعقاب حركة احتلوا وول ستريت، عندما وصلت المظاهرات التي بدأت بعيدا – في الشرق الأوسط، اليونان، أسبانيا، المملكة المتحدة – إلى المركز وهي الآن تحظى بتدعيم كبير وتتحرك، بالتالي، حول العالم؟ في سان فرانسيسكو في يوم الأحد 16 أكتوبر 2011، وكصدى لحركة احتلوا وول ستريت، خطب رجل في الجماهير مع دعوة للمشاركة وكأن هذا يحدث بنمط الهيبي في الستينيات من القرن الماضي: "إنهم يسألوننا عن برنامجنا، ليس لدينا برنامج، نحن هنا لنقضي وقتا طيبا". مثل هذه التصريحات تكشف المخاطر العظيمة التي يواجهها المتظاهرون: خطر أنهم سيقعون في غرام أنفسهم، وفي غرام المرح الذي يمارسونه في المناطق "المحتلة". ولكن الكرنفالات رخيصة – الاختبار الحقيقي لقيمتها يظهر فيما يحدث في اليوم التالي؛ كيف تغيرت حياتنا اليومية أو تتغير. هذا يتطلب عملا صعبا وصبورا – تكون التظاهرات فيه هي البداية وليست النهاية. الرسالة الأساسية هي: لقد تكسر التابو، نحن لا نعيش في أفضل عالم ممكن؛ نحن يحق لنا، بل نحن مجبرون، على التفكير في البدائل.

باتباع نوع من الثالوث الهيجلي؛ فاليسار الغربي عاد لنقطة البداية: بعد التخلي عما يطلق عليه "ماهوية الصراع الطبقي" من أجل جمعية مواجهة العنصرية، والنسوية، والنضالات الأخرى، تعاود "الرأسمالية" البزوغ بوضوح الآن كاسم للمشكلة. أول درس يجب تعلمه هو عدم لوم الأفراد ومواقفهم؛ المشكلة ليست فساد الفرد وجشعه، ولكن النظام الذي يشجعه على الفساد. الحل ليس  شعار "في الشوارع الرئيسية وليس وول ستريت[i]"، ولكن في تغيير النظام الذي يجعل الشوارع الرئيسية معتمدة على وول ستريت.

دعونا إذن نحظر الحديث عن الجشع؛ الرموز العامة من البابا إلى من أسفله يقصفوننا بالوصايا لمقاومة ثقافة الجشع المفرط والاستهلاك، ولكن هذا المنظور من الأخلاقية الرخيصة هو عملية أيدولوجية إن كانت هناك واحدة؛ الإجبار (الممتد) المحفور في النظام نفسه يُتَرجَم هنا إلى مسألة خطيئة شخصية، وضعف نفسي خاص، كما قال لاهوتي مقرب من البابا: "الأزمة الحالية ليست أزمة رأسمالية ولكن أزمة أخلاقية". ملمحا بحذر إلى أن المتظاهرين عليهم أن يستهدفوا الظلم والجشع والاستهلاكية،... إلخ، بدلا من الرأسمالية نفسها. يمكننا أن نهنيء اللاهوتي على أمانته بالقدر الذي صاغ به بشكل واسع النفي المتضمن في النقد المؤَخلِق: الفكرة في التأكيد على أن الأخلاقية هي منع نقد الرأسمالية. دورة الدفع الذاتي للرأسمالية تظل الواقع المطلق لحيواتنا بشكل أكبر من السابق، الوحش الذي لا يمكن السيطرة عليه في الحقيقة. هذا يحيلنا إلى حظرنا الثاني: علينا أن نرفض النقد المبسط لـ "الرأسمالية المالية" – وكأن هناك شكل آخر "أكثر عدالة" من الرأسمالية.

علينا أيضا أن نتجنب ببساطة الإغواء الذي يجعلنا نعجب بالجمال المطلق للانتفاضات المحكوم عليها بالفشل. شِعْر الفشل يجد تعبيره الأوضح في إشارة بريخت للسيد كوينير[ii]: سُئِل السيد كوينير "ما الذي تعمل عليه؟". رد السيد ك: "أنا أقضي وقتا عصيبا؛ أنا أرتب لخطئي القادم"[1]. على أي حال فهذا التنويع على الموتيف البيكيتي القديم "افشل أفضل" ليس كافيا: ما على المرء أن يركز فيه هو النتائج التي سقطت خلفا بسبب الفشل. بالنسبة لليسار اليوم، فمشكلة "النفي المحدد"determinate negation  عادت مع انتقام. أي نظام إيجابي يجب أن يحل محل النظام القديم، في اللحظة التي خفت فيها الحماس السامي للانتفاضات؟ نحن هنا نواجه ضعفا مميتا للتظاهرات الحالية، إنها تعبر عن غضب أصيل يظل غير قادر على تحويل نفسه إلى برنامج إيجابي محدد للتغيير الاجتماعي-السياسي، إنها تعبر عن روح ثورية بدون ثورة.

النظر بشكل مقرب لمانيفستو الإنديجنادوز[iii] (الغاضبون) الأسبان، على سبيل المثال، يجلب بعض المفاجآت. الشيء الأول الذي يظهر هو النغمة اللا سياسية الواضحة: "البعض يعتبرنا تقدميين، والبعض الآخر محافظين. بعضنا مؤمنون وبعضنا لا. بعضنا يعتنق أيدولوجيات محددة، وبعضنا غير مسيسين، ولكننا جميعا قلقون وغاضبون من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نراه حولنا: الفساد بين السياسيين ورجال الأعمال وموظفي البنوك يتركنا بلا حيلة، وبلا صوت". هم يعلنون عن تظاهرهم وفقا لـ "الحقائق غير القابلة للتغيير التي يجب أن يلتزم بها مجتمعنا: حق السكن، التوظيف، الثقافة، التعليم، المشاركة السياسية، التنمية الشخصية الحرة، وحقوق المستهلكين من أجل حياة صحية وسعيدة". رافضين للعنف، يدعون إلى "ثورة أخلاقية. بدلا من وضع المال فوق البشر، علينا أن نعيده لخدمتنا. نحن بشر ولسنا منتجات. أنا لست منتج لما أشتريه، أو لم أشتره، أو من أشتريه منه". من السهل تخيل أن الفاشي الأمين يوافق برضا على كل هذه المطالب: "وضع المال فوق البشر" – نعم، هذا ما يفعله البنكيون اليهود؛ "الفساد بين السياسيين ورجال الاعمال والبنكيين يتركنا بلا حيلة" – نعم، نحن نريد رأسماليين أمناء مع رؤية تخدم أمتهم، وليس المتبرعين الماليين؛ "نحن بشر، ولسنا منتجات" –نعم، نحن بشر ورابطتنا هي الوطن وليست السوق؛ وهكذا باستمرار. ومن سيكون الفاعل في الثورة الأخلاقية؟ بينما الطبقة السياسية بكاملها، اليمين واليسار، يتم التعامل معها كفاسدة ومنقادة بشهوة السلطة، المانفيستو مع ذلك يتكون من سلسلة من المطالب موجهة لـ - مَن؟[2] ليس الناس أنفسهم: الإنديجنادوز لم يزعموا (بعد) أن أحدا لن يفعل ذلك من أجلهم، إنهم أنفسهم (ولنعد استخدام جملة غاندي) عليهم أن يكونوا التغيير الذي يريدون أن يروه.

كرد فعل على مظاهرات باريس عام 1968، قال لاكان مقولته الشهيرة: "ما تطمحون إليه كثوريين هو سيد جديد. وسوف تحصلون على واحد"[3]. يبدو أن ملاحظته أصابت هدفها (ليس فقط) عند الإنديجنادوز، فنحن نحصل على أول إشارة لهذا السيد الجديد في اليونان وإيطاليا. ونحن نرد بسخرية على نقص البرامج الخبيرة التي قدمها المتظاهرون، فالنزوع الآن هو استبدال السياسيين العاديين بحكومة "محايدة" من التكنوقراطيين غير المسيسين (معظمهم بنكيون، في اليونان وإيطاليا). "السياسيون" الملونون راحوا، وجاء الخبراء الرماديون. هذا النزوع يتوجه بوضوح نحو دولة طواريء مستقرة وتعليق للديمقراطية السياسية (لنستعد كيف تصرفت بروكسل تجاه الأحداث السياسية في اليونان: بالذعر من إمكانية الاستفتاء، مع الارتياح من ترشيح رئيس وزراء تكنوقراطي جديد). من الأشياء المصاحبة لهذا الانتقال للتكنوقراطية غير السياسية هو التضييق الملحوظ على الحرية في أوروبا، بما يتضمن تركيا، التي تبزغ تدريجيا كنموذج جديد للرأسمالية السلطوية. مجموعة من الدلالات المشئومة (مثل اعتقال أكثر من 100 صحفي في 2011 بتهمة حمقاء وهي التآمر لقلب الحكومة الإسلامية) تشير إلى أن الرخاء الاقتصادي والليبرالية يغطيان على صعود الإسلام السلطوي. بكلمات أخرى، فتركيا في الواقع بعيدة عن الصورة الشائعة لها في الغرب؛ كدولة من المفترض أنها تُقدَم نموذجا للإسلام السياسي المتسامح.

الموقف في اليونان يبدو واعدا أكثر منه في أسبانيا، ربما بسبب التقليد الأخير للتنظيم الذاتي المتنامي (الذي اختفى في أسبانيا بعد سقوط نظام فرانكو)[4]. على أي حال فحتى في اليونان يبدو أن حركة التظاهر قد وصلت لذروتها بمصطلحات التنظيم الذاتي الشعبية. حافظ المتظاهرون في ميدان سينتاجما على مساحة حرية متساوية بلا سلطة مركزية، مساحة عامة حيث يتم توزيع المقدار نفسه من الوقت للتحدث وهكذا. ولكن عندما بدأوا يتناقشون حول ماذا سيفعلون بعد ذلك، كيف سيتحركون فيما بعد التظاهر (هل عليهم تنظيم حزب سياسي جديد مثلا)، كان الإجماع هو أن ما يحتاجونه ليس حزبا جديدا أو محاولة مباشرة للاستيلاء على السلطة، بل حركة اجتماعية مدنية يكون هدفها ممارسة الضغط على الأحزاب السياسية الموجودة. هذا غير ملائم بوضوح لمهمة إعادة التنظيم الكامل للحياة الاجتماعية. لفعل ذلك، يحتاج المرء لكيان قوي قادر على الوصول لقرارات سريعة وإدراكها بأي قوة قد تكون ضرورية.

هذا ليس كافيا إذن؛ أن ترفض الحكم غير المسيّس للخبراء؛ على المرء أيضا أن يبدأ في التفكير بجدية عما يريده من وضع التنظيم الاقتصادي المهيمن، أن يتخيل ويجرب أشكالا بديلة من التنظيم، أن يبحث عن بذور الجديد في الحاضر. الشيوعية ليست مجرد (أو المهيمن عليها هو) كرنفال من التظاهر الجماهيري الذي يجبر النظام على التوقف؛ إنها أيضا وفوق كل شيء شكل جديد من التنظيم والانضباط والعمل الكثير. بغض النظر عما يمكن أن نقوله عن لينين فقد كان واعيا جدا بهذه الحاجة الملحة لأشكال جديدة من الانضباط والتنظيم.

على أي حال فما يتبع بالضبط الضرورة الدياليكتيكية، هو هذا الحث على ابتكار أشكال جديدة من التنظيم من المفترض أن تظل بعيدة. ما يجب مقاومته في هذه المرحلة هو أي ترجمة سريعة لطاقة المتظاهرين إلى مطالبات مستقرة. لقد خلق المتظاهرون فراغا – فراغا في حق الأيدولوجيا المهيمنة، وهناك حاجة إلى الوقت لملء مساحة هذه الموضة الإيجابية. هذا هو سبب أننا لسنا بحاجة لأن نقلق كثيرا من الهجمات الموجهة لاحتلوا وول ستريت، فانتقادات المحافظين المتوقعة سهلة بما يكفي للرد عليها؛ هل المتظاهرون معادون لأمريكا؟ عندما يزعم الأصوليون المحافظون بأن أمريكا دولة مسيحية، فعلينا أن نذكر ما هي المسيحية في الحقيقة: الروح القدس، مجتمع المؤمنين الحر المتساوي المتحد بالحب. إنهم المتظاهرون هم من يمثلون الروح القدس، في حين أن وول ستريت الوثنية مستمرة في عبادة أصنام زائفة (مجسدة في تمثال الثور[iv])، هل المتظاهرون عنيفين؟ حقيقي أن لغتهم ربما تبدو محاربة (احتلوا! وهكذا) ولكنهم عنيفون فقط بطريقة عنف المهاتما غاندي نفسها، إنهم عنيفون بالقدر الذي يريدون فيه أن يضعوا عائقا في الطريق الذي تمضي عليه الأشياء – ولكن كيف يقارن هذا بالعنف المحتاج للحفاظ على التوظيف السهل للنظام الرأسمالي العالمي؟ يقال عنهم فاشلون – ولكن ألم يكن الفاشلون الحقيقيون هم هؤلاء الذين تطلًّب إنقاذهم مئات المليارات من الدولارات في وول ستريت؟[v] يقال عنهم اشتراكيون – ولكن هناك في الولايات المتحدة اشتراكية بالفعل للأغنياء، هم متهمون بعدم احترام الملكية الخاصة – ولكن تكهنات وول ستريت التي أدت للانهيار في 2008 أفنت من الملكيات الخاصة التي اكتسبها أصحابها بكل صعوبة  أكثر من أبعد ما يستطيع المتظاهرون الوصول إليه.

المتظاهرون ليسوا شيوعيين، إن كانت الشيوعية تشير إلى النظام الذي سقط عن استحقاق في عام 1990. الطريقة الوحيدة التي يكونون بها شيوعيين هي أنهم يهتمون بالشيوع – شيوع الطبيعة، المعرفة – الذي يهدده النظام. يتم التعامل معهم على أنهم حالمون، ولكن الحالمين الحقيقيين هم هؤلاء الذين يفكرون أن الأشياء يمكن أن تمضي بلا شك بالطريقة التي تمضي بها، مع تعديلات ظاهرية فحسب. هم بعيدون عن كونهم حالمين، فهم يستيقظون من حلم تحول إلى كابوس، إنهم لا يدمرون أي شيء، ولكنهم يواجهون نظاما في عملية تدمير ذاتي تدريجي. المتظاهرون ببساطة يدعون من هم في السلطة للنظر إلى أسفل، إلى الهاوية المفتوحة تحت أقدامهم.

هذا هو الجزء السهل. ولكن المتظاهرين يحتاجون أيضا إلى أن يحذروا، ليس فقط من أعدائهم، ولكن من الأصدقاء الزائفين الذين يزعمون أنهم يدعمونهم بينما هم يعملون بجد على إضعاف تظاهرهم، ويحيلونه إلى إشارة أخلاقية غير مؤذية.

تظاهرات وول ستريت كانت بالتالي بداية، وبلا شك فإن على المرء دوما أن يبدأ بهذه الطريقة، بتعبير شكلي عن الرفض الذي يكون أهم مبدئيا من أي محتوى إيجابي –  مثل هذا التعبير فقط يفتح فضاء لمحتوى جديد.

رمز وول ستريت هو تمثال الثور في وسطه – ورد الفعل العادي تجاه التظاهرات اتخذ - حقا وغالبا - شكل خراء الثور bullshit. في مقالة رأي بالواشنطن بوست، قدمت آن آبلبوم[vi] على أي حال نسخة معقدة ومعطرة، تتضمن إشارات إلى مونتي بايثون[5]. وطالما كانت نسخة آبلبوم تطلب مقترحات أكثر استقرارا تدعم الأيدلوجيا في قمة نقائها، فهي تستحق أن نقتبسها بالتفصيل. أساس منطقها هو أن المظاهرات في أنحاء العالم كانت "متشابهة في حاجتها للتركيز، وفي طبيعتها الأولية، وفوق كل شيء في رفضها الارتباط بالمؤسسات الديمقراطية القائمة". تكمل:

"في نيويورك، صاح المشاركون بالمسيرات (هذا ما تبدو عليه الديمقراطية). ولكن في الحقيقة، ليس هذا ما تبدو عليه الديمقراطية. هذا ما تبدو عليه حرية التعبير. تبدو الديمقراطية أكثر إثارة للضجر. تتطلب الديمقراطية مؤسسات، انتخابات، أحزاب سياسية، أحكام، قوانين، قضاء، والعديد من النشاطات الباهتة المستهلكة للوقت... إلا أنه بمعنى ما، ففشل حركة "احتلوا" الدولية في إنتاج مطالبات شرعية مؤثرة مفهوم: كل من مصدريّ الأزمة الاقتصادية العالمية وحلولها تقع بطبيعتها خارج قدرة السياسيين المحليين والعالميين.

بزوغ حركة تظاهر دولية بدون برنامج متماسك هي بالتالي ليست مصادفة: إنها تعكس أزمة أعمق، أزمة بدون حل واضح. الديمقراطية مؤسسة على حكم القانون. الديمقراطية تعمل فحسب داخل حدود واضحة وبين أناس يشعرون بأنفسهم كجزء من الدولة نفسها. "مجتمع دولي" لا يمكن أن يكوِّن ديمقراطية وطنية. وديمقراطية وطنية لا يمكن أن تطلب الوفاء بمحفظة وقائية عالمية من مليار دولار، بقياداتها المحتمين بملاذ من الضرائب وموظفيها المتناثرين حول العالم.

على خلاف المصريين في ميدان التحرير، الذين يقارن المتظاهرون في لندن ونيويورك أنفسهم بهم بشكل واسع (وأحمق)، فنحن لدينا مؤسسات ديمقراطية في العالم الغربي. إنها مصممة لتعكس – على الأقل بشكل فظ – الرغبة في التغيير السياسي في دولة محددة. ولكنها لا تستطيع تجاوز الرغبة في التغيير السياسي العالمي، ولا تستطيع السيطرة على الأشياء التي تحدث خارج حدودها. على الرغم من أنني لا زلت أؤمن باقتصاد العولمة ومعتقداتها الروحية – إلى جانب الحدود المفتوحة وحرية الحركة والتجارة العالمية – فالعولمة بدأت بوضوح في خلخلة شرعية الديمقراطيات الغربية.

النشطاء "العالميون" إن لم يكونوا حريصين، فسيزيدون من سرعة الانهيار. يصرخ المتظاهرون في لندن: "نحتاج أن يكون لدينا تقدم!" حسنا، هم بالفعل لديهم عملية تقدم: يُطلًق عليها النظام السياسي البريطاني. وإن لم يعرفوا كيفية استخدامه، فسوف يضعفونه بشكل أكبر"[6].

أول شيء نلاحظه هو اختصار آبلبوم لمظاهرات ميدان التحرير كنداء من أجل الديمقراطية على النمط الغربي – في اللحظة التي نقوم فيها بهذا، فبالطبع يكون من العبثي أن نقارن مظاهرات وول ستريت بالانتفاضات المصرية: كيف يطالب المتظاهرون هنا بما يملكونه بالفعل، أي المؤسسات الديمقراطية؟ الشيء الفائت في هذه النظرة بالتالي هو الضيق العام من النظام الرأسمالي العالمي، الذي يتخذ بوضوح أشكالا مختلفة في أماكن مختلفة. ولكن أكثر الأجزاء الصادمة في مقالة آبلبوم، هو الفجوة الواسعة بالفعل في الحجة، والتي تظهر في نهايتها؛ بعد الإذعان إلى أن النتائج الديمقراطية غير المستحقة للتمويل الدولي الرأسمالي تقبع فيما وراء سيطرة الميكانيزمات الديمقراطية، التي هي مقتصرة بطبيعة الحال على الدول-الوطنية، تحدد الاستنتاج الضروري بأن "العولمة بدأت بوضوح في خلخلة شرعية الديمقراطيات الغربية". يمكننا القول إن هذا جيد حتى الآن. هذا بالضبط ما يضمنه المتظاهرون – أن الرأسمالية العالمية تخلخل الديمقراطية. ولكن بدلا من تحديد الاستنتاج المنطقي الوحيد – أنه علينا أن نبدأ بالتفكير في كيفية توسيع الديمقراطية فيما وراء شكل الدولة متعددة الأحزاب، التي فشلت بوضوح في مناسبة النتائج الهدامة للحياة الاقتصادية العالمية – تعبر عن نمط "للخلف در" غريب من أجل تحويل اللوم على المتظاهرين أنفسهم، تحديدا الذين بدأوا في طرح هذه الأسئلة ذاتها. الفقرة الأخيرة تستحق أن تعاد قراءتها بحرص: طالما أن الاقتصاد العالمي هو فيما وراء منظور السياسات الديمقراطية، فأي محاولة لتوسيع الديمقراطية من أجل اعتناقها ستسرع فحسب من انهيار الديمقراطية. ما الذي يمكننا فعله بالتالي؟ إعادة الارتباط بالنظام السياسي القائم الذي هو في الحقيقة غير قادر على القيام بهذا العمل وفقا لرؤية آبلبوم نفسها.

هنا علينا أن نمضي في الطريق كله حتى النهاية؛ لا يوجد نقص في العاطفة المعادية للرأسمالية اليوم؛ إن كان هناك شيء محملون به بشكل متضاعف فهو انتقادات فظائع الرأسمالية. ولكن الذي لا يخضع للتساؤل أبدا هو الإطار الديمقراطي المؤسسي لدولة القانون (البرجوازية) ذاته. يظل هذا هو البقرة المقدسة التي لا تجرؤ حتى الأشكال الأكثر راديكالية من "معاداة الرأسمالية الأخلاقية" هذه على مواجهتها.

هنا تظل رؤية ماركس الرئيسية صالحة، اليوم أكثر من أي وقت مضى. بالنسبة لماركس لا يجب أن يوضع سؤال الحرية أساسا في المناخ السياسي الصالح (هل في البلد حرية انتخابات؟ هل القضاة مستقلون؟ هل الصحافة حرة من الضغوط المختبئة؟ هل يتم احترام حقوق الإنسان؟... إلخ). المدخل الحقيقي للحرية يقع بالأحرى في شبكة العلاقات الاجتماعية، من السوق إلى الأسرة، حيث يكون نوع التغيير المطلوب - إن كنا نريد تقدما حقيقيا ليس في الإصلاح السياسي - ولكن تغيير في علاقات الانتاج الاجتماعية "غير السياسية". نحن لا نصوّت على من يملك ماذا، أو على العلاقات في مصنع وهكذا، لأن كل هذا يعتبر خارج نطاق السياسي، ومن المتوهم أن نتوقع أن المرء يمكنه تغيير الأشياء عن طريق "مد" الديمقراطية إلى هذا النطاق، عن طريق، قل تنظيم البنوك "الديمقراطية" تحت رقابة الشعب. التغييرات الراديكالية في هذا النطاق يجب أن تتم خارج نطاق "الحقوق" القانونية"... إلخ: لا يهم كم هي معاداتنا للرأسمالية راديكالية، لو لم يتم فهم ذلك، فالحل المرجو سيدور حول تطبيق ميكانيزمات ديمقراطية (التي هي بالطبع يمكن أن يكون لديها دور إيجابي لتلعبه) – على المرء ألا ينسى أن هذه الميكانيزمات التي هي ذاتها جزء من كيان الدولة "البرجوازية" الذي يضمن استمرار إعادة الإنتاج الرأسمالي بدون إزعاج. اليوم، يضع باديو يده على هذه النقطة في زعمه الغريب الواضح بأن "اليوم، فالعدو لا يدعى الإمبراطورية أو رأس المال، إنما يدعى الديمقراطية"[7]. إنه "الوهم الديمقراطي"، قبول أن الإجراءات الديمقراطية هي إطار العمل الأساسي لأي تغيير ممكن، هذا الذي يمنع أي انتقال في العلاقات الرأسمالية.

هناك بالتالي أسباب عميقة للصعوبة القائمة في تشكيل برنامج ثابت. ولكن المتظاهرين لفتوا النظر لمشكلتين رئيسيتين؛ أولا النتائج الاجتماعية الهدامة للنظام الرأسمالي العالمي: مئات المليارات فُقِدَت بسبب المضاربة المالية غير المسيطر عليها، وهكذا. ثانيا؛ العولمة الاقتصادية تخلخل تدريجيا شرعية الديمقراطيات الغربية. باتخاذها الصفة الدولية، فالعمليات الاقتصادية واسعة المدى لا يمكن ان يُسَيطَر عليها بالميكانيزمات الديمقراطية، التي هي مقتصرة بطبيعة الحال على الدول الوطنية. لهذا السبب يختبر الناس بشكل متزايد كون المؤسسات الديقراطية فاشلة بمصطلحات التعبير عن مصالحهم الحيوية. تحت هذه الوفرة من التصريحات (المرتبكة عادة)، تقدم حركة احتلوا وول ستريت رؤيتين أساسيتين: (1) الضيق الشعبي المعاصر هو تجاه الرأسمالية كنظام – المشكلة هي في النظام ذاته، ليس في أي شكل فاسد محدد منه؛ (2) الشكل المعاصر من الديمقراطية التمثيلية متعددة الأحزاب غير قادرة على التعامل مع الإفراطات الرأسمالية؛ بكلمات أخرى، هذه الديمقراطية يجب أن يعاد ابتكارها. هذا يحيلنا إلى أساس المشكلة الحرجة في تظاهرات وول ستريت: كيف نمد الديمقراطية فيما وراء شكلها السياسي القائم، الذي ثبت عجزه في مواجهة النتائج الهدامة للحياة الاقتصادية؟ هل يوجد اسم للديمقراطية المعاد ابتكارها فيما وراء النظام التمثيلي متعدد الأحزاب. هناك حقا: ديكتاتورية البروليتاريا.

في كتاب حديث (ذو عنوان ملتف بشكل رائع: ساركوزي: أسوأ من المتوقع/ الآخرون: توقعوا الأسوأ)[vii] قدم باديو حجة تفصيلية في مواجهة المشاركة في التصويت "الديمقراطي": حتى عندما تكون الانتخابات "حرة" في الحقيقة، وحتى عندما يكون لمرشح أفضلية واضحة على الآخر (قل، معاد للعنصرية يقف في مواجهة شعبوي معادي للمهاجرين)، فعلى المرء أن يفصل نفسه عن التصويت، طالما أن شكل الانتخابات المتعددة الأحزاب ذاته تنظمه دولة فاسدة على المستوى الشكلي والترانسندنتالي. ما يهم هو فعل التصويت الشكلي، المشاركة في العملية، التي تشير إلى قبول للشكل نفسه باستقلال عن الخيار المحدد الذي يتخذه المرء. الاستثناءات التي يستطيع المرء أن يصنعها للحكم العالمي تحدث في هذه اللحظات النادرة عندما يكون المضمون (واحد من الخيارات المقدمة) مخلخلا ضمنيا لشكل التصويت. بالتالي فعلى المرء أن يحمل في ذهنه التناقض الدائري الذي يدعم "الانتخابات الحرة" في مجتمعاتنا الديمقراطية: المرء حر في الاختيار في حالة أن يتخذ الخيار الصحيح – هذا هو سبب أنه عندما يتم التوجه لخيار غير مقبول  يتم التعامل مع ذلك على أنه خطأ، والنظام القائم يفرض فورا تكرارا للتصويت من أجل أن يعطى للبلد الفرصة لتصحيح خطئها والتوجه للخيار الصحيح.

هذا هو سبب أنه ليس علينا أن نخاف من تقديم النتيجة المتوافق عليها الوحيدة من الحقيقة، التي لم يستقر عليها الديمقراطيون الليبراليون. لقد انتهى الربيع المصري (حتى الآن، وإن كانت المعركة بعيدة عن نهايتها) بالانتصار الانتخابي للإسلاميين الذين كان دورهم في الثورة المضادة لمبارك في 2011 لا يذكر: "الانتخابات الحرة" أو الثورة التحررية الأصيلة – على المرء أن يختارها. لنضع ذلك بمصطلحات روسو، كانت هناك جماهير في ميدان التحرير، وإن كانت حسابيا أقلية، جسدت الإرادة العامة الحقيقية – وبالنسبة لحركة احتلوا وول ستريت، كانت جماهير صغيرة تلك التي في حديقة زوكوتي التي وقفت من أجل الـ "99 بالمائة" وكانت مُبَررة في عدم ثقتها في الديمقراطية المؤسسية.

بالطبع سيبقى السؤال: كيف نستطيع مأسسة صناعة القرار الجمعي فيما وراء إطار عمل النظام متعدد الأحزاب الديمقراطي؟ أو لنقل ذلك بشكل فظ: من يعلم ما ينبغي فعله اليوم؟ لا توجد ذات تعرف، لا في شكل المثقفين ولا الناس العاديين. هل هناك مأزق إذن، حالة الأعمى الذي يقود أعمى، أو بدقة أكبر، أعمى يقود أعمى في حين أن كلا منهما يفترض أن الآخر بإمكانه الرؤية؟ لا، لأن الجهل المزدوج ليس سيمتريا. إنهم الناس الذي يملكون الإجابات، إنهم فقط لا يعرفون الأسئلة التي يملكون (أو بالأحرى هم) إجابتها.

ترجمة كتاب "سنة الأحلام الخطيرة" تصدر كاملة قريبا عن دار التنوير



[1]  Bertolt Brecht, Stories of Mr. Keuner, San Francisco: City Lights 2001, p. 7.
[2]  أثناء حلقة نقاشية عامة في بروكسل، عضو من الإندجنادوز رفض نقدي، مجادلا بأنهم يعرفون بالضبط ما الذي يريدونه: تمثيل سياسي أمين وواضح في الانتخابات، حيث يقف اليسار وراء اليسار الحقيقي واليمين وراء اليمين الحقيقي. هذه الاستراتيجية الكونفوشية عن "تصحيح الأسماء" هي، على أي حال، غير كافية بوضوح ،إن كانت المشكلة ليست فقط فساد الديمقراطية التمثيلية، بل "الفساد" المحايث في فكرة الديمقراطية التمثيلية نفسها.
[3]  Jacques Lacan at Vincennes, December 3, 1969: “Ce a quoi vous aspirez comme révolutionnaires, c’est a un Maître. Vous l’aurez.”
[4]  على الرغم من أن القومية اليونانية هي أيضا تصعد في اليونان، موجهة غضبها تجاه الاتحاد الأوروبي إلى جانب المهاجرين؛ واليسار يردد صدى هذا التوجه القومي، موجها انتقاداته للاتحاد الأوروبي بدلا من توجيه عين ناقدة لماضيه – محللا، على سبيل المثال، كيف أن حكومة آندرياس بومباندريو أسهمت بشكل حاسم في تأسيس الدولة اليونانية "الزبونية" clientelist.
[5]  علّقت بشكل لاذع على أن تكرار "الميكروفون البشري" لكلمات المتحدث من قبل الجماهير المجتمعة حولها مشابهة للمشهد الشهير من فيلم "حياة بريان (فيلم بريطاني كوميدي أنتج عام 1979 من قبل فرقة مونتي بايثون الكوميدية المذكورة أعلاه. أ.ز)" الذي تكرر فيه الجماهير بدون فهم كلمات بريان "نحن جميعا أفراد!" بالطبع هذه الملاحظة غير عادلة على الإطلاق، فآبلبوم تتجاهل حقيقة أن المتظاهرين تصرفوا بهذا الشكل لأنهم تم منعهم من قبل البوليس من استخدام مكبرات صوت – التكرار كان غرضه التأكيد على أن كل شخص يسمع ما يقوله المتحدث. على المرء مع ذلك أن يعترف بأن التكرار الميكانيكي أصبح سريعا طقسا لهم، مولدا متعته jouissance الذي يكون اقتصاده منفتحا على النقد.
[6]  Anne Applebaum, “What the Occupy Protests Tell Us About the Limits of Democracy,” Washington Post, October 18, 2011, available at washingtonpost.com.
[7]  Alain Badiou, “Prefazione all’edizione italiana,” in Metapolitica, Napoli: Cronopio 2002, p. 14.


[i]  “Main Street, not Wall Street,” وهو يعني الاهتمام بالشوارع الرئيسية التي تهتم بالأعمال الصغيرة، في مقابل "وول ستريت" الشارع الذي يضم العديد من الأنشطة الاقتصادية الكبرى في نيويورك والمعبر عن اقتصاد السوق الرأسمالي.
[ii]  عن كتاب قصص السيد كوينير لبريخت
[iii]  Indignados وهو المصطلح الذي يشار به إلى المتظاهرين في أسبانيا عام 2011.
[iv]  الإشارة إلى الثور المهاجم Charging Bull التمثال الموجود بالقرب من وول ستريت بنيو يورك، والذي يعبر غالبا عن قوة الاقتصاد الأمريكي.
[v]  الإشارة إلى خطة الإنقاذ الاقتصادية التي تبنتها إدارة بوش الابن في سبتمبر 2008 التي دفعت 700 مليار دولارا من نقود دافعي الضرائب الأمريكان لإنقاذ البنوك من الإفلاس أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية بالعام نفسه.
[vi]  Anne Applebaum (1964) صحفية أمريكية مهتمة بشئون الاتحاد السوفيتي السابق.
[vii]  See Alain Badiou, Sarkozy: pire que prévu / Les autres: prévoir le pire, Paris: Lignes 2012. 

التسميات: ,