<data:blog.pageTitle/>

This Page

has moved to a new address:

http://amirzaky.com

Sorry for the inconvenience…

Redirection provided by Blogger to WordPress Migration Service
شُغل صحافة: نوفمبر 2011

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

معني الحياة عند المدونين الشباب

معني الحياة عند المدونين الشباب

بعضهم يؤمن أن أفضل ما يفعله الإنسان ألا يفعل شيئاً .. والبعض يهرب إلي الكتب والكتابة

 

كتب - أمير زكي



يصف أحمد مجدى نفسه فى مدونته «الحياة بطريقة أخرى» على أنه «وجودى، متشكك يضطرب ويرتبك حتى أنه قد لا يثق فى صحة التنميط الذى وضع نفسه فيه». مدونة أحمد مجدى كلها تحمل حس الاضطراب الذى تحدث عنه، يحاول أن يشرح أسبابه قائلا: «عشت طفولة عادية لم أفعل فيها شيئا سوى الدراسة، لم أمارس الرياضة، لم أتدرب على آلة موسيقية. ولكن نقطة التحول بالنسبة لى كانت المرحلة الثانوية، فى هذه الفترة شاهدت العديد من الأفلام الأمريكية، دخلت الجامعة على أمل التمثل بهذا الأسلوب فى الحياة، وكانت الصدمة».


طبيعة الصدمة قد تبدأ بأن يعرض على بعض الفتيات الخروج بطريقة الأفلام الأمريكية ويتلقى الرفض ولا تنتهى بصعوبة الاندماج مع المجتمع حوله ككل، ليجد نفسه شاعرا بالوحدة وعدم التواصل وعدم التفاهم مع كل ما حوله.

الهم السياسى الذى كان سمة المدونات لفترة انتقل الآن إلى حد كبير إلى الفيس بوك وتويتر، لتعود المدونات إلى حد ما إلى حسها الشخصى الذاتى الذى يلامس أحيانا الكتابة الأدبية، وحين يأتى وقت الحديث عن الذات، خاصة عند الشباب فى العشرينيات من عمرهم وهم جل كتاب المدونات، يتم استدعاء أسئلة مثل معنى الحياة والوجود فى العالم، ويتم استدعاء إجابات كالعدمية والعبثية والعزلة والاستسلام.

يكمل أحمد مجدى حديثه عن المواضع التى شكلت وجهة نظره المضطربة الحالية، يقول: «اتجهت لبعض الأعمال الصغيرة، وقمت بعمل مشروع صغير مع صديق، هذا الصديق مات، هنا تجلت لى عبثية الحياة، تحولت بعد ذلك إلى شخص محبط وصامت وزاهد وأميل إلى الوحدة، ولم أعد أفكر فى المستقبل». يضيف: «أصبحت أؤمن أن أفضل ما يفعله الإنسان هو ألا يفعل شيئا».

هرب أحمد مجدى فى المقابل إلى الكتب والكتابة. ويصف مجدى طبيعة الانتقال موضحا: «قبل الجامعة كنت استمع لأغانى البوب وأقرأ لكتاب مثل دان براون وجون جريشام، بعد الجامعة والتحول أصبحت أستمع إلى أغانى الروك ولم أعد أقرأ سوى للكتاب الجيدين.

الكتب والكتابة تمثل إما نقطة التحول أو نقطة الانغماس لهؤلاء الشباب، يقول محمد الجابرى صاحب مدونة «دخان شيشة»: «أنت تجد الكتب التى تتطابق مع أفكارك فتزيدها رسوخا».

تتشارك مدونة محمد الجابرى مع مدونة أحمد مجدى فى همومها الوجودية، ويبدو الجابرى أيضا صاحب موقف مضطرب من العالم، يصف الجابرى نفسه على أنه (لا أدرى)، ويضيف: «ممكن أكون عدمى».

يقول الجابرى الذى تبدو نصوصه فى المدونة قصيرة وتجريبية تتنوع فيها اهتماماته بين الأدب والسينما: «ليس عندى تصور عن العالم، وجوده أو غرضه، وبالتالى فأنا لا أعرف معنى وجودى فيه، وأحيانا أنساه». فى المقابل فلا يجد الجابرى، الذى يبلغ 25 عاما، أمامه سوى أن يستمتع بالأشياء الصغيرة المتاحة له، أو فى أوضاع أخرى الانسحاب من الحياة: «ساعتها أضع نقطة وأسكت».

وإن كانت المراهقة هى مرحلة التحول عند أحمد مجدى وسببها الأفلام الأمريكية، إلا أن الجابرى لا يستطيع تحديد المرحلة أو الأسباب، يقول: «لا أدرك كل ما أثر فى، ولكن كانت هناك تأثيرات بلا شك، فترة التجنيد مثلا، فى هذه الفترة يحدث لك ما هو أشبه بتصفية الروح، هناك من هو أكثر سلطة منك رغم أن تعليمه أقل، بالإضافة إلى ذلك فهو يستعبدك، فى المقابل أنت تريد أن تنتقم وتعجز، وهذا يولد فيك طاقة سلبية».

السبب الثانى الذى يذكره الجابرى هو وصول الآخرين «الأقل منه» على حسب تعبيره إلى أهداف لم يصلها، ويقول: «هذا سبب لى أزمة فى البداية، ولكنى تجاوزته الآن، أعتقد أن الوصــول لهذه الأهــداف لـــم يكـــــن ليشبعنى».

ولكن هل الإشباع متاح أصلا؟، يرد الجابرى بأنه ليس جائعا الآن لشىء، ويضيف: «ولن أقول عن هذا تصوف، فلم أعد أضع رأيى تحت توصيفات».

أما آية عزت صاحبة مدونة «مونولوج»، فتصف أن موقفها من العالم ليس سلبيا ولا إيجابيا، ولكنها تعرف أن العالم متغير فلو حاولت تبنى اختيارا ما فيه ستقابل دوما بالمقاومة.

آية التى تكرر فى مدونتها الحديث عن الله وعن علاقتها به تؤمن بعالم آخر، ولكنها مع ذلك تقول: «الإيمان بعالم آخر لا يبرر بالضرورة اتخاذ موقف إيجابى فى العالم الذى نحيا فيه».

تعيد آية حقيقة نظرتها للعالم إلى الكتب، تلك النظرة التى لا تتوقع شيئا ولا تختار شيئا: «كانت قناعتى بذلك سطحية إلى حد كبير وأصبحت عميقة مع الكتب».


سوء فهم مع المجتمع

يؤكد أحمد مجدى على أن الوضع فى مصر هو الذى يزيد من حدة هذا النمط فى التفكير، يقول: «المطلوب فى مصر أن نتحول جميعا إلى نسخة واحدة، وأن نعيش نمطا واحدا من الحياة».

ترى آية مثلها مثل مجدى والجابرى أن هناك عدم فهم متبادل بين جيلها وبين المجتمع، هذا المجتمع المتمسك بأفكاره فلا تكون هناك مساحة للتغيير، وتتصور أن المستقبل قد يحمل لها تكسيرا لبعض القيود ولكن بتوازن.

الثورة كانت حدثا جللا فى كل الأوساط بمصر، حتى عند هؤلاء ذوى الأفكار المختلفة، حيث تفاوت حماسهم ورد فعلهم عليها، يقول أحمد مجدى: «أنا متعاطف مع الثورة كميدان ولكنى لست متصالحا مع المجتمع». ويضيف: «المجتمع جاهل وفى كل خطوة نكتشف أننا فى عالم ثالث، نحن مجتمع يحض على الكراهية، حتى خطبة الجمعة يقول الخطيب إنه علينا أن نحارب إسرائيل، الخطيب لن يحارب، أنا الذى سيتم تجنيدى بعد أسابيع وسأتعرض لذلك».

الجابرى كان متحمسا للثورة رغم موقفه المتردد من الآخرين، ويقول إنه كان مندمجا مع الناس فى البداية: «وحتى الآن أنا لست فاقدا للأمل، أنا متوقع وجود فعل جماعى حقيقى سيحدث قريبا ولكن ليس بإمكانى تقديم شىء لهم». فى حين ترى آية أن الثورة أثبتت أنه لا يزال هناك من يقاوم ويحاول، وهذا جعلها تحب المجتمع وتحترمه إلى حد ما، رغم أن الثورة لم تصل إلى شىء حتى الآن.


الصدمة فى مواجهة العالم

يشرح أحمد مجدى أن انفتاح جيله على العالم هو أحد الأسباب الرئيسية التى تجعل حالة العدمية هذه سائدة، فالقيم التى اكتسبها جيله من الثقافات المختلفة هى ما يجعل موضوع الانعزال محوريا بين هذا الجيل على حساب الأجيال السابقة. السبب نفسه يتبناه د.أحمد عبدالله ــ مدرس الطب النفسى بجامعة الزقازيق ــ فهو يرى أن شبابنا انفتح على العالم بدون أن يكون مستعدا لهذا. ويشرح قائلا: «فوجئ الشباب أنه غارق فى محيط من الأسئلة والأفكار بدون أن يعرف كيفية أن يسبح».

ولكنه يعيب أيضا على النظام الاجتماعى الذى خلا من أى مساحة نقدية للتعبير عن الرأى، قائلا: «فى المقابل، النظام الرسمى لم يقدم لك أى أدوات للتعامل مع هذا، والمجتمع يقابل أفكار هؤلاء الشباب بالرفض مما يزيد من مساحة التحدى لديهم». ويضيف: «العقلية المجتمعية عندنا هى عقلية عسكرية، تميل للرسوخ والتشابه، وإذا حدث أى قلق والقلق طبيعى فى مراحل التغير، يقول المجتمع (امنع القلق) وهذا فهم عسكرى للأمور».

يتحدث د.أحمد عبدالله عن أفكار الشباب التى تكون أشبه بـ(الافتكاسات) فى مقابل مجتمع يتحدث عن الإجابات النموذجية. ولكنه فى النهاية لا يرى فى المشهد كله سوى نوع من سوء التفاهم من الممكن حله بأدوات بسيطة، موضحا: «يجب فقط أن تكون هناك جدية فى الاستماع إلى هؤلاء الشباب، وأن نتحدث معهم على أنهم مقبولون، هذا القبول سينفى بالضرورة أى مشكلة أو شعور بغرابة الأطوار التى يعانون منها».

فى المقابل لا يرى أحمد ناجى، المدون وصاحب كتاب «المدونات من البوست إلى التويت» الذى يتحدث عن تاريخ التدوين، أنه يمكن تعميم نماذج هؤلاء الشباب على عدد كبير من المدونين، ولكنه يعلق: «يجب أن نضع فى حسباننا أن قطاعا كبيرا من مستخدمى الإنترنت فى مصر من الشباب والمراهقين، وبالتالى فحالة التوازن النفسى لديهم تكون شيئا نادرا، خاصة فى ظروف بلد مثل مصر». ويضيف: «فى النهاية المسألة اختيار فردى، وفى مقابل تدوينات الاكتئاب والعالم الأسود الحزين، ستجد تدوينات الأرز باللبن والفتاة التى تشكر الله على الشيكولاتة والشرائط الزرقاء».

لا يعتقد أحمد ناجى أن المدونات بالضرورة هى التى تساعد على وجود مثل هذا الحس المضطرب لدى الشباب: «ربما كان هذا الحس موجودا ولكنه محبوس بدفاتر بدرج المكتب وهو الآن متاح للجميع على المدونات».

الإنترنت الذى يتيح كل شىء للجميع ربما يؤدى إلى حالة اتخاذ موقف من السلطة الجبرية والمقيدة، كما يقول أحمد ناجى: «حالة الإنترنت نفسها هى حالة لا سلطوية، فلا سلطة على المستخدمين ولو وجدت فمن السهل تجاوزها، وبالتالى يظهر السؤال؛ لم لا تكون الحياة كلها هكذا بلا سلطة جبرية؟».

***

سؤال الفلسفة القديم

 الأسئلة التى يطرحها بعض المدونين عن معنى وجود الإنسان، ومشاعرهم القلقة وإحساسهم بالعبث والعدم لا تنفصل عن الأسئلة التى طرحتها الفلسفة على مر العصور. فمعنى الحياة والوجود هذا الذى يحير بعض المدونين الذاتيين كان أحد أسئلة الفلسفة الأساسية، وبينما كان يقدم الدين إجاباته المستقرة عن الحياة والمرتكزة على وجود الله تباينت وجهات النظر الفلسفية عن معنى الحياة.

تظل الفلسفة الوجودية التى تبلورت فى القرن العشرين أكثر الفلسفات رواجا وشيوعا حتى عند كتاب المدونات، فلا تعدم عندهم ظهور الأسماء المنسوبة إلى الوجودية كسارتر وكامو، وهايدجر ونيتشه من قبلهم. فى الوجودية يضفى الإنسان المعنى على حياته بنفسه، وبغض النظر عن المعنى الذى يضفيه الدين أو المجتمع عليه. أما عند الفيلسوفين اللذين يعتبران ممهدان للوجودية الدنماركى سورين كيركجور والألمانى فريدريك نيتشه، فالأول كان يرى أن على الإنسان أن يتحرك بقيمه الخاصة به وسط العالم العبثى، أما الثانى فكان مولعا بالحياة ويرى أنها تستحق أن تعاش فى ذاتها بدون أهداف سامية ربما سوى السعى لإنسان أعلى مما هو عليه الآن. مفهوم القلق الذى يعانى منه هؤلاء المدونون، أو بالأحرى الذى يعانى منه الناس كلهم ولكن بنسب متفاوتة، ناقشه الفيلسوف الألمانى مارتن هايدجر والمعروف أيضا بأنه وجودى، فشعور القلق عنده هو الذى يظهر لنا العدم فى الحياة، والقلق لا يكون قلقا من شىء محدد وإنما هو مجرد شعور بأن العالم ينسحب من حولنا.

قد يذكر هذا المدون أو ذاك أنه عبثى أو عدمى. الفيلسوف الفرنسى ألبير كامو أخذ على عاتقه مناقشة هذين المفهومين، الذى قد يؤدى الإيمان بهما إلى تصرفات سلبية كالجريمة أو الانتحار.

 كامو كان مؤمنا بأن العالم عبثى وعدمى، ولكن فى مقابل ذلك كان فى رأيه أن بمقدور الإنسان أن يعيش بشجاعة فى مواجهة ذلك.

عبثية الحياة عند كامو قد تصبح الدافع عند البعض ليفكر فى الانتحار، لذلك فأول جملة فى كتابه الشهير (أسطورة سيزيف) هى أن الانتحار هو المشكلة الفلسفية الأساسية، بمعنى أن السؤال عن معنى الحياة هو دائما السؤال المهم. شرح كامو فى الكتاب أننا نأمل فى الغد ثم نكتشف أن الغد يقربنا خطوة من الموت، وتظل معرفة الحقيقة بالنسبة لنا مستحيلة سواء بالعقل أو بالعلم أو بأى شىء آخر فلا يتبقى أمامنا سوى التسليم بالعبث. ولكن كامو لا يتوقف مع القارئ عند هذا الحد وإنما يطالبه بالتمرد على هذا الوضع العبثى. فالإنسان الذى يعى العبث عليه أن يعى أيضا امتياز الحرية التى يقدمها له هذا الفهم.

التسميات: , ,

الخميس، 3 نوفمبر 2011

أيقونات الثورة المتجددة

أيقونات الثورة المتجددة

خالد سعيد ومينا دانيال وآخرون

 

كتب - أمير زكي


"هناك مجموعة من الشخصيات تحوَّلت لأيقونات ثورة 25 يناير، فهناك خالد سعيد وسالى زهران والشاب المجهول الذى وقف أمام المدرعة، والآن مينا دانيال يعد أحد المرشحين بقوة للتحول إلى أيقونة مشابهة"، هكذا علق الدكتور محمد شومان، عميد المعهد الدولى للإعلام بأكاديمية الشروق. لكن شومان يؤكد أن قوة تأثير كل من خالد وسالى ومينا ترجع لكونهم شهداء، مضيفا: "لموروث الشعبى المصرى يحوّل الشهداء إلى أيقونات وربما يعود هذا إلى عصر الشهداء القبطى".

مينا دانيال أحد ضحايا اليوم الدموى فى التاسع من أكتوبر، تحول إلى أيقونة لتجديد دماء الثورة تماما  كخالد سعيد ودوره فى تأجيج ثورة 25 يناير. ومثلما كانت المفارقة بين صورة خالد سعيد الشاب الوسيم وصورته كوجه مشوه بعد اعتداء شرطيين عليه محركا ومحفزا للمصريين، أصبح وجه مينا دانيال الضاحك والفارق بينه وبين منظر جثته فى مشرحة المستشفى القبطى مصدر غضب العديد من المصريين.

يرى د.شومان أن تحول شخصٍ ما لأيقونة يكون مزيجا بين النية المقصودة وبين التلقائية، فهناك العديد من الشخصيات التى يحاول البعض تحويلها لأيقونات ولا يكون هناك قبول شعبى لذلك، ولكنه يعوّل على صورة خالد سعيد ووجهه الملائكى وكذلك استشهاده هو ومينا فى التأثير على الرأى العام.

تحاول ماريان ناجى، الناشطة والمديرة التنفيذية لمركز الجسر للتنمية، وضع يدها على سبب بروز أيقونتى مينا دانيال وخالد سعيد، فهى ترى أيضا أن المواصفات الشكلية كان لها دور حاسم فى ذلك، وتقول: "مجتمعنا بشكل عام يحكم على الأمور بالمظهر، لو كان لمينا أو خالد ملامح حادة أو غليظة أو كان لديهما جسم قوى، كان الناس سيترجمون ذلك على أنهما بلطجية أو شباب (بتاع مشاكل)، ولكن شكليهما الأقرب إلى شكل شباب الطبقة المتوسطة وعمرهما الصغير يجعل الناس تنظر لهما على أنهما شابان مثلنا وشبهنا، وأن مستقبلهما ضاع نتيجة مقتلهما".

ومع ذلك ترى ماريان ناجى أن كل تجربة من الاثنتين لو كانت قد حلت محل الأخرى لما حدث التأثير نفسه: "لو كان خالد سعيد ناشطا سياسيا قبل الثورة لما كان الاهتمام بمقتله بالقدر نفسه، باعتبار أن طبيعة الناشط أنه يتعرض للمشكلات، ولكن طبيعة خالد جعلت كل شخص يتصور أنه قد يتكرر الأمر نفسه معه. أما مينا فمقتله أثر لأن النشاط السياسى بعد الثورة أصبح أمرا اعتياديا، وأن من ينزل ليطالب بحقه سيتعرض للمصير ذاته". تأثير المواصفات الشكلية لم يتم بشكل واع من قبل هؤلاء الذين يقودون حملات الاحتفاء بخالد سعيد ومينا دانيال، كما توضح الناشطة: "حتى من يصنع حملة من أجل ذكرى شهيد فهو يتأثر عاطفيا بمظهره وسنه، فحملتا خالد سعيد ومن بعده مينا دانيال كانتا حملتين انفعاليتين".


إدارة الحملات

رغم كون الحملات التى صُنعت باسم خالد سعيد ومينا دانيال كانت حملات انفعالية فإن ماريان ناجى ترى أن تأثيرها قد يفوق الحملات المحترفة. تقول: "حملات غير المحترفة تكون أكثر نجاحا، لأن من يصمم الحملة يكون كلامه مباشرا وأكثر مصداقية، قد يكون الحديث عن فكرة (الكلام من القلب للقلب) كليشيهيا، ولكنه يُصدَّق فى مثل هذه الحملات".

تجربة مينا دانيال كانت فريدة، فقد كان أقرب إلى الناشط السياسى اليسارى منه إلى الناشط القبطى، إذ كان عضوا بحركة "شباب من أجل الحرية والعدالة"، وعضوا "بحزب التحالف الشعبى"... مقتله جعله، وهو الذى صلى بأحد المساجد يوم 28 يناير ليخرج مع المظاهرة المنطلقة منه، أحد شهداء المسيحية لدرجة تكريمه بدفنه مع غيره من شهداء 9 أكتوبر تحت أحد مذابح كنيسة الملاك بالسادس من أكتوبر. هنا تتضاعف دلالة مقتل مينا دانيال، فهو بالإضافة لكونه شهيدا سياسيا قد تحول إلى شهيد دينى أيضا.

مينا ــ الناشط السياسى ــ كان يتعامل مع العديد من الحركات السياسية المصرية مما جعل وجهه مألوفا لدى معظم المهتمين بالشأن العام، ومعظم من قضوا الوقت فى اعتصامات ميدان التحرير أو اعتصامات ماسبيرو. يؤكد زملاؤه أن استشهاده سيكون نقطة تحول فى حركة الثورة مثل استشهاد خالد سعيد، يتفق كريم طه وميلاد سليمان صديقاه على ذلك، ويقول كريم: "الاحتفاء بمينا هو استكمال لمشوار الثورة بسبب تعدد القضايا السياسية والاقتصادية التى كان مهتما بها". ومن جهة أخرى يقول ميلاد سليمان: "مينا دانيال كرمز يشبه خالد سعيد وأعتقد أن سيصعد القضية أكثر من خالد سعيد، لأنه أثبت أن الوضع أحيانا أسوأ من عهد مبارك". واستشهاد مينا دانيال أيضا يختلف لأنه جاء بعد الثورة، كما يوضح د. محمد شومان: "هذا يعطى انطباعا بأن الثورة تأكل أبناءها أو أن هناك من سرق الثورة".

على طريقة صفحة "كلنا خالد سعيد" التى حددت موعد "إيفنت" التظاهر فى 25 يناير، أنشئت صفحة "كلنا مينا دانيال"، بالإضافة إلى ذلك يحاول أصدقاء مينا وزملاؤه من النشطاء إبقاء وجهه "مؤطرا" سواء من خلال رسوم الجرافيتى أو على تى شيرتات يرتدونها، وهم صنعوا أيضا مدونة تضم وتوثق كل ما يخص مينا من مقالات أو أشعار أو فيديوهات. الاحتفاء بذكرى مينا والحملات التى تحمل اسمه جاءت معظمها بمبادرات من أصدقائه الذين انفعلوا بالطبع برؤية صديقهم يموت، ولكن ما إمكانية الاستمرار فى تلك الحملات مع اعتبار أن معظمها غير محترفة؟

لا ترى ماريان ناجى أن استمرارية الحملة وتأثيرها يتطلب الاحتراف، ولكنها أيضا تضيف أهمية التدرج خاصة بالنسبة للحملة الموجهة بهدف التأثيرعلى الطبقة الوسطى، وتقول: "حملة كلنا خالد سعيد يمكنها أن تدرس الآن، فهم تدرجوا مع الناس وبدءوا بمطالبتهم بتفاصيل سهلة كتغيير الصور الشخصية على الفيس بوك، ثم النزول بملابس سوداء فى مظاهرات صامتة، قبل أن يطالبوهم بالتظاهر فى الشارع بشكل كامل، هم بدءوا الحملة كرد فعل انفعالى ولكن الحملة استمرت بشكل محترف".

على الرغم من كل الأشكال التى يستخدمها أصدقاء مينا للاحتفاء به، ربما يبقى الغناء هو الأبرز فى الذاكرة الشعبية، بحسب ماريان التى تشير إلى تجربة حفل تأبينه حيث غنى فريق إسكندريلا: "لو كان أحدهم قد طلب بعدها أن يخرج الحاضرون فى مظاهرة لكان الناس قد استجابوا".

فى حين يؤكد د.محمد شومان أن الصورة هى التى تحفظ ذكرى الشخصية، وإن كان غير واثق من مدى استمرارية بروز أيقونتى خالد سعيد ومينا دانيال فى الذهن الشعبى.

مينا دانيال شاب مصرى كان يعبر عن انفعالاته بشكل تلقائى، فقد يظهر له فيديو يتمايل فيه على موسيقى "الميتال"، أصحاب المدونة المخصصة له يحاولون تقديم كل شىء عنه، كما يقول صديقه ميلاد سليمان: "نحن نجمع كل شىء عن مينا ولا نراجع شيئا، حتى المراجعة الإملائية لا نقوم بها، نحن نريد أن نقدم مينا دانيال الإنسان وليس الشاب الثورى فقط". ولكن هل هذا مفيد للحملة التى تحاول إبراز الأيقونة؟، تحاول ماريان الإجابة قائلة: "من الضرورى أن يظهر مينا دانيال وخالد سعيد بنفس مظهر الشباب، بسلبياته وإيجابياته، ولكن أحيانا الحملات تتبنى عملية تنزيه الضحية وإظهار الشاب بمظهر شديد الاستقامة لإثارة أكبر قدر من التعاطف".

التسميات: , ,

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

أهل الواجب والأفراح

أهل الواجب والأفراح

منتخبات المناطق الشعبية

 

كتب - أمير زكي


يجتمع المعلم ربيع الروبى وأخوه المعلم على، ومعهم المعلم محمد جابر وغيرهم من مجموعة "منتخب المقاولين" الذى أسسوه فى مقر سكنهم وعملهم بحدائق حلوان، ليتجهوا إلى فرح المعلم أبو يارا الذى ينظمه منتخب "الجيش والشعب" بالمعصرة. يجمع المعلم ربيع نقود النقوط التى يجمعها من أفراد منتخبه الثمانية، ولا ينسى أن يسجل المبلغ الذى دفعه كل فرد منهم فى دفتر. ولا ينسى أيضا أن يصطحب معه دعوات الفرح الذى سيقيمه منتخب المقاولين باسم المعلم عبدالعزيز موافى، والذى سيقام بعد يومين فى حدائق حلوان، ليوزعها على المنتخبات والأفراد الحاضرين فرح أبو يارا.

تبادل النقوط والمجاملات فى الأفراح والمناسبات لم يعد مجرد طقس بسيط، يتم بشكل تلقائى، بل أصبح نشاطا له قواعده فى المناطق الشعبية، بحيث يمكنك حتى أن تجد أناسا يعتمدون ربما فى أكل عيشهم على هذا الطقس. ومن المعروف أن المجاملات التى تتم فى المناسبات العامة تتم من قبل فرد نحو الآخر، ولكن لزيادة النظام والإحساس بالترابط والتعاون أخذ طقس النقوط والمجاملات يأخذ شكل "المنتخبات"، حيث يجتمع عدة أفراد من المنطقة نفسها أو العائلة نفسها أو ذوى المهن المشتركة أو حتى من ذوى المزاج المشترك ليكونوا منتخبا، هذا المنتخب يتحرك ككيان واحد فى المناسبات ليوضع النقوط باسمه، ويرد النقوط باسمه، ويتم تنظيم مناسبات أفراد المنتخب أيضا باسمه.

معظم أفراد منتخب المقاولين يعملون فى مجال المقاولات كما يظهر من الاسم، ولكن كبير المنتخب المعلم ربيع يذكر أن المنتخب يضم أصحاب مهن أخرى كمبيض محارة ومدير مطعم وكهربائى، يقول المعلم ربيع: "المسألة تعتمد على الصداقات، كل المنتخب جيران وأصحاب"، لم يستطع المعلم ربيع تحديد الوقت الذى بدأت فيه فكرة المنتخبات فى الظهور، ويقول: "الأمر قديم جدا، ولكن منتخب المقاولين بدأ عام 2000، وأنا أول من نظمت فرح فى المنتخب لأخى".

ورغم أنه يطلق عليه اسم فرح إلا أن فرح المعلم أبو يارا بالمعصرة لم يكن فيه زفاف، فلا يوجد عريس وعروسة، لا توجد حتى نساء فى الفرح باستثناء الراقصات، كل الحاضرين رجال، يجاملون بعضهم البعض، يقول المعلم ربيع الروبى: "هذا يسمى فرح جمعية".

فى فيلم "الفرح" الذى ألفه أحمد عبدالله وأخرجه سامح عبدالعزيز عام 2009، يسعى بطل الفيلم زينهم لجمع "النقوط" الذى وزعه على كل من جاملهم بدعوى أنه سيزوج أخته المتخيلة، ولكن وجود مناسبة حقيقية لم يعد ضروريا لإقامة فرح الآن للم النقوط، فما عليك سوى أن تنظم ليلة تدعو فيها كل المنتخبات والأفراد الممكنين ليجاملوك أو يردوا ما عليهم، وهذا ما يسمى فرح الجمعية.

يقول محمد جابر الذى يدير مطعم ربيع الروبى بحدائق حلوان والمنتمى أيضا إلى منتخب المقاولين: "كل واحد يكون لديه دفتر مخصص للنقوط، يقيد فيه كل مبلغ دفعه فى فرح أو مناسبة، وعندما يجد صاحب الدفتر أن لديه مبلغا كبيرا دفعه فى الأفراح، دفتره ثقل، يقيم بالتالى ليلته الخاصة، سواء كانت لديه مناسبة أو لا ليسترد ما له من نقود". يضيف جابر الذى كان عائدا لتوه من فرح بالحوامدية نقط فيه نيابة عن أفراد منتخب المقاولين: "الجنيه يقابل بجنيه"، وهذا يعنى عندهم أن من يدفع 50 جنيها مثلا فى أحد الأفراح، يردها صاحب الفرح بعد ذلك بـ100، هذه هى الأصول، ولكنها ليست قاعدة صارمة، فيمكنك أن تدفع أكثر، ولكن سيكون من المعيب أن تدفع أقل مما تم تنقيطك به. مثل هذا الفرح قد يساعد صاحبه على جمع مبلغ كبير من المال يساعده فى عمله وأكل عيشه. يستشهد جابر بمغن شعبى من حلوان، كان له نقوط عند جميع المعارف الذين كان يغنى فى أفراحهم، بحيث كان يترك جزءا من أجره لديهم كنقوط، توفى المغنى، فأقام أخوه عليه ليلة للم النقوط التى اشترى بها ميكروباصات (تويوتا) يصرف من ريعها على بناته.


بوحة عضو منتخب الشطار

الانضمام للمنتخب يزيد من مساحة علاقات الشخص، فأنت هنا عندما تنظم ليلتك لن يجاملك فقط معارفك، بل سيجاملك أيضا معارف كل فرد من أفراد المنتخب. هذا يؤكده بوحة الجزار عضو منتخب الشطار الذى يستقر أيضا فى حدائق حلوان قائلا: "الفرح الذى ينظمه منتخب يكون أنجح بكثير من الفرح الذى ينظمه الشخص وحده"، محيلا إلى كمية العلاقات والدعاية التى يستطيع أن يقدمها المنتخب للفرد. ويضيف: "عندما أذهب لفرح ينظمه منتخب أتقل من نقوطى لصاحب الفرح، لأننى بهذه الطريقة أجامل المنتخب كله، وفى الفرح الذى سأنظمه سيرد المنتخب كله المجاملة لى".

حسام أبو النور الشاب الذى يعمل محاسبا، والذى يضم منتخبه "الجزيرة" أعمارا متفاوتة وأصحاب مهن مختلفة أيضا، يقول إن المنتخبات موجودة من سنوات عديدة ولكنها انتشرت بشكل كبير فى آخر سنتين... سألته عن سبب ذلك فقال ضاحكا: "الفراغ"، ولكنه عاد وقال: "قد تعتقد أن النقود هى السبب فى انتشار المنتخبات والأفراح ولكن هذا ليس حقيقيا، السبب الأساسى هو الإثارة". قد تجد لمنطق حسام وجاهة، عندما تنظر إلى الأجواء التى تتم فيها الأفراح، سواء من لوازم المزاج أو من تعارف الأصحاب، أو من طبيعة الموسيقى المستخدمة ووجود راقصات إن أمكن. فى الفرح الذى نظمه منتخب المقاولين، ورغم أنه ليس من الأصول أن تنضم إليه النساء، إلا أن نساء المنطقة كن واقفات خلف الفِراشة يتابعن ما يحدث فى الفرح. فى الشوارع والمجتمعات الضيقة يبدو أن الأفراح هى إحدى وسائل المرح الأساسية لدى الناس هناك.


المعلم شداد كبير الجزيرة                                             

كبير منتخب الجزيرة هو المعلم شداد وهو معلم خضار، حسام يقول إن المعلم شداد هو أكبر أعضاء المنتخب سنا، لذلك فهو كبير المنتخب، ولكنه، أى حسام، هو الذى يقوم بمتابعة كل أنشطة المنتخب. ولا يحبذ حسام فكرة الليالى أو أفراح الجمعية التى تتم للم النقوط. يقول: "عندنا فى منتخب الجزيرة لا نرى هذا ملائما، وإنما لا نقيم فرحا إلا عندما يكون هناك فرح بالفعل". ويستشهد بالفرح (الزفاف) الذى أقامه لأخيه.

ويرى حسام أنه كلما زاد عدد أعضاء المنتخب كان تماسكه أقل، فإذا تخلف أحدهم عن دفع نقوطه، سيختل وضع المنتخب كله الذى سيضطر لتغطية الفرد الذى لم يدفع. قد تتم عملية لم نقود النقوط من المنتخب بشكل ودى بين أفراد المنتخب الذى يتكون أعضاؤه من مجموعة أصدقاء، ولكن بعض المنتخبات لا تميل لهذه الثقة فيعتمدون على "وصولات الأمانة"، يقول حسام: "إذا أراد عضو جديد أن ينضم إلينا سيوقع على وصل أمانة على بياض"، حتى إذا تخلف الفرد عن دفع ما عليه، يستطيع المنتخب أن يسترده منه.

قبل بدء فرح المعلم عبدالعزيز موافى والذى ينظمه منتخب المقاولين، يجلس المعلمون ويتناقشون حول طبيعة تنظيم الأفراح، وما إذا كان النقوط الموجه للفرقة "البوش" يكون من حق الفرقة أم من حق أصحاب الفرح. وبينما يقول حسام أبو النور إن خط حلوان كله ممتلئ بالمنتخبات، يتدخل المعلم محمد من العمرانية ويقول: "عندنا فى العمرانية كل واحد منتخب وحده". وإن كانت إحدى مميزات المنتخبات عند أعضائها هى إمكانية أن يغطى المنتخب المبلغ الذى لا يستطيع دفعه أحد أعضائه ساعتها. ويرى المعلم محمد أن تلك هى إحدى مساوئ المنتخبات، فقد يحمل أحد الأعضاء منتخبه العديد من النقود وبعدها تجده اختفى عن المنطقة.


الديابة مسجلون فى الشهر العقارى

المعلم عزيز الشرقاوى كبير منتخب الديابة يقدم تصورا أكثر تنظيما للمنتخبات، يقول: "منتخب الديابة اسمه مسجل فى الشهر العقارى. نحن أقرب إلى جمعية ولنا فروع فى سيناء وفى الشرقية وفى المعصرة وفى حلوان"، منتخب الديابة يتحرك بشكل أكثر جماعية من المنتخبات البديلة، ربما سبب ذلك كون أفراده من عائلة واحدة، يقول المعلم عزيز الشرقاوى: "نحن نضع نقوطنا كمنتخب، ونتلقى النقوط أيضا كمنتخب لا كأفراد، والذى نربحه من النقوط نؤسس به مشروع يعود ريعه على المنتخب كله". يستشهد المعلم عزيز بكونهم اشتروا عربية نقل وأرضا لصالح المنتخب.

ولكن لا تخلو دائرة المنتخبات والنقوط من ضيق يتسبب لمن ينغمس فيه، يقول المعلم محمد جابر: "هى خية أنت تقع فيها". محيلا إلى كم الوقت والمجهود الذى يبذله فى اللف على الأفراح، ويضيف: "فى شهر يوليو فقط هناك 199 فرح علينا أن نجامل فيهم منها 12 فرحا فى يوم واحد".

حسام أبو النور يؤكد أن من يدخل "الخية" على حد تعبير جابر عليه أن يكون "قد الأفراح"، ويقول: "إن لم تأخذ حرصك وأنت تتحرك فى الأفراح، ربما ستجد نفسك قد دفعت مبالغ كبيرة ولا تستطيع استردادها".


ولكن رغم أن الأفراح والمجاملات لا تنتهى، إلا أن نظام أفراح الجمعية مع ذلك يتيح مخرجا من هذه الدائرة، وهو مخرج أيضا له أصوله. يشرح محمد جابر فكرة "المخرج" كالآتى: عندما يمل أحدهم من لعبة الأفراح، ينظم فرحا يدعو فيه كل المدينين له، فإذا أعطوه أكثر مما لديه عندهم، يرد فى نهاية الفرح نقودهم الزائدة بحيث لا يكون له أو عليه نقود، ولا يعود مرة أخرى لمجاملتهم، وهذه تسمى تصفية.

يبدو حضور هذه النوعية من الأفراح بعيدين تماما عن الشحن السياسى الحادث فى مصر فى الفترة الأخيرة، ربما يشكو بعضهم من ضيق فرص العمل، ولكن يكاد يكون من النادر أن يعلق أحدهم على الشأن العام وما يحدث فى البلد حاليا.

*** 

إبداع اقتصادى

"كلما زادت الضائقات الاقتصادية تنوعت أساليب الناس فى التحايل على المعايش"، هكذا تشرح شهيدة الباز، مديرة مركز البحوث العربية والأفريقية والخبيرة فى الاقتصاد السياسى طبيعة نمط أفراح الجمعية.

وتضيف: "الناس يريدون الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية، وبالتالى فأسلوب المجاملة العادى المتعلق بالنقوط تحول إلى دين يتم رده". وتعيد الباز ظهور مثل هذه الأنماط إلى تقصير الحكومة فى تبنى سياسات اقتصادية جديدة، موضحة: "هذا ما جعل الناس يتصرفون وكأنه لا توجد حكومة".

وترجع فكرة رد المجاملة بضعف المبلغ الذى تم تلقيه إلى دراية الناس بكون القوة الشرائية للنقود تقل، قائلة: "يظل هناك تفاهم بأن المجاملة سيتم ردها، وثقة أن أحدا لن يأكل حق الآخر".

ترى شهيدة الباز أن أفراح الجمعية هى نوع من الإبداع المصرى، خصوصا أنها تتم بالتفاهم ولا يوجد فيها "نصب"، فلا يوجد شىء يعيبها ومن الخطأ أن نحكم عليها قيميا.

أفراح الجمعية تضم فكرتين متشاركتين وهما نقوط المجاملات والجمعية الاقتصادية الشهيرة المنتشرة فى مصر، وفيها تضع المجموعة المتشاركة مبلغا ماليا متساويا بشكل دورى ثم يقبض كل واحد من أفراد الجمعية المبلغ المجموع بشكل متوال، ترى كذلك شهيدة الباز أن أسلوب الجمعية المصرى مفيد اقتصاديا، هذا غير كونه أسلوبا متعاونا وحميما، تخلى الدولة عن دورها الاقتصادى وخضوعها لشروط البنك الدولى وصندوق النقد أديا لفساد الاقتصاد، وهو ما أظهر أنماطا شعبية للتضامن الاقتصادى والاجتماعى على حد قولها، ولكن هل لو عادت الدولة لتقدم دعمها للمجتمع ستتلاشى هذه الأنماط؟ تعلق الباز: "مبدئيا يجب على الدولة أن تقوم بدورها فى تنظيم الاقتصاد ودعم المجتمع والمساعدة على التنمية خصوصا فى دول العالم الثالث حيث المؤسسات غير المكتملة، وفى حالة وجود عدالة فى توزيع الدخول فمن الصعب أن يلجأ أحد لهذه الأنماط من التضامن، إلا لو كان الأمر مثيرا للإعجاب لديهم".

 ***

النقوط حول العالم

تقديم المال فى المناسبات العامة، خصوصا السعيدة منها والتى تسمى عندنا «النقوط» هو طقس قديم ومنتشر فى العديد من البلاد العالم. الأفراح تحديدا هى الحدث الأساسى الذى يتلقى فيه منظموه وهما العروسان أو عائلتاهما المال، وغالبا يكون المقصود منه مساعدتهما ليبدآ حياتهما الزوجية، أو تغطية مصاريف الزفاف أو كمقابل لما تلقاه المدعو من طعام وشراب أثناء الزفاف. يتخذ تقديم المال فى حفلات الزفاف أشكالا عديدة، ففى الصين تقدم العروس أكواب الشاى للمدعوين فى حفل الزفاف فيقدم لها المدعوون أظرفا ممتلئة بالمال فى المقابل. وفى بولندا يحضر المدعوون من الرجال دبابيس بجانب المال الذى سيقدمونه للعروس، فيشبكون المال فى فستانها ويرقصون معها فى المقابل، أما فى تايلاند توضع نقود النقوط فى الظرف الذى يحمل دعوة الفرح أو المناسبة.

عدد من شعوب دول شرق آسيا كالصين وكوريا، يميل لإعطاء الأموال فى المناسبات داخل ظرف أحمر، حيث يعبر اللون عن الحظ السعيد ويطرد الأرواح الشريرة. المناسبات هناك تتنوع بين حفلات الزفاف أو تقديم المال للأطفال فى الأعياد. أما فى دول مثل ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا فيتحول لون الظرف إلى أخضر ويقدم تحديدا فى عيد الفطر لمن يزور بيت المعطى كجزء من الزكاة. وفى اليهودية فالرقم 18 يكون مقابله فى الكلمات هو كلمة (الحياة)، هذا يجعل اليهود يتبادلون هداياهم المالية بقيمة تحمل رقم 18 ومضاعفاته رغبة فى تمنى الحظ السعيد للطرف الآخر.

التسميات: , ,