<data:blog.pageTitle/>

This Page

has moved to a new address:

http://amirzaky.com

Sorry for the inconvenience…

Redirection provided by Blogger to WordPress Migration Service
شُغل صحافة: ديسمبر 2011

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

جسد المرأة.. استهداف المقدس

جسد المرأة.. استهداف المقدس
كتب - أمير زكي


مقارنة الجدل الذى دار حول تجربة علياء المهدى التى صورت نفسها عارية بالجدل الذى دار حول فتاة العباءة التى تم سحلها وتعريتها من قبل جنود الجيش فى أحداث مجلس الوزراء الأخيرة كشفت «التناقض فى المجتمع»، كما ترى أسماء على الناشطة الحقوقية. هذا الجدل اتضح من ردود الأفعال التى تلت الأحداث الأخيرة، فجسد المرأة المقدس لدى المصريين، والذى اندهش جل المجتمع المصرى لتعريته بإرادة علياء المهدى، ارتبك عدد كبير من المصريين أيضا عندما رأوه يتعرى بسبب جنود جيشهم.

حالة الارتباك تلك، التى وصلت لاتهام صورة فتاة العباءة المسحولة بالفبركة، أو اتهام الفتاة نفسها بالعديد من الاتهامات كالسؤال: لم لا ترتدى ملابس كافية تحت العباءة، تحاول أسماء على شرحها بالآتى: «من نسميهم بحزب الكنبة لا يريدون أن يصدقوا ما حدث، لذلك تجدهم يبحثون دوما عن تبريرات، فلو صدقوا المشهد سيشعرون بالخزى ولن يصالحوا نفسهم أبدا بسبب قداسة جسد المرأة لديهم»

ولكن المجلس العسكرى نفسه اعترف بالواقعة التى تم التشكيك فيها، من خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده اللواء عادل عمارة، ولكنه طلب مراعاة الظروف التى أدت إلى هذا المشهد، بل إنه بعد المؤتمر صرح للصحفيين أن المشاهدين تجاهلوا النقطة الإيجابية فى الفيديو وهو أن أحد الجنود قد غطى الفتاة.

أحداث مجلس الوزراء شهدت ككل الأحداث الدموية التى تلت الثورة استهداف كل أطياف المجتمع المصرى بكل الوسائل، ولكن بدا أن إهانة النساء كان الحدث الأبرز والأكثر إثارة للجدل، تقول أسماء: «الطريقة المهينة التى تم بها استهداف النساء فى هذا اليوم تعيد إلى الذهن الطريقة نفسها التى تعاملت بها الشرطة معهن فى 2005 يوم الاستفتاء الأسود». وتضيف: «كانت الرسالة المراد توصيلها هو أنكن إذا خرجتن فسوف يتم الاعتداء على أجسادكن، ومن المعروف أن جسد المرأة تابو (من المحرمات التى لا تمس) عند المصريين»، لكنها مع ذلك ترى أن رد فعل النساء كان رائعا بعد الأحداث الأخيرة التى كانت تستهدف كسرهن، ودليلها هو مظاهرة النساء الحاشدة يوم 20 ديسمبر.

ولكن هذا الاستهداف كان مبررا لشعور بعض النساء بالتهديد الشخصى، كما تذكر هدى فايق التى تشارك فى المظاهرات باستمرار، التهديد لا يتعلق فقط بتهديد قوات الجيش للمتظاهرين، بل تهديد من قبل المجتمع كله، تقول هدى: «أشعر الآن بعدم أمان، خصوصا أننى ألاحظ استهانة من الشارع بما حدث، هذا يعطينى انطباعا بأن المجتمع فيه (حاجة غلط)، و أنه غير قادر على تقبل المنطق»، هذه الاستهانة من الممكن أن يتم فهمها فى سياق المرأة المتهمة دائما وفى كل الأحوال، تضيف هدى: «الفتاة المصرية عندما تنزل الشارع هى فى نظر المجتمع مشروع منحرفة».

استهداف جسد المرأة فى الأحداث الأخيرة ترجعه أسماء على إلى دور المرأة المحورى فى الثورة، إذ تقول: «المرأة المصرية كانت محركا أساسيا، وأمهات الشهداء والمصابين لهن تأثير كبير على قطاع واسع من المصريين، لذلك فهم قرروا الضرب فى مقتل، فى المكان الموجع».

ولكن الكاتبة والناقدة عبلة الروينى لا ترى أن المرأة وجسدها هما المستهدفان تحديدا، فتقول: «المستهدف هو المواطن بصفة عامة، فالقهر والإرهاب لا يفرق بين رجل وامرأة». هذا يحيلنا إلى بعض الأصوات التى قالت إن الأطفال مثلا لم يحظوا بهذا التركيز رغم أنهم أيضا تعرضوا لاعتداءات كبيرة مثل النساء.

تضيف عبلة الروينى: «الأمر لم يتوقف عند امتهان الكرامة، ولكن أن يتم ذلك فى العلن وعلى قارعة الطريق، كنوع من التهديد والإرهاب، ولكن الأبرز فى الحدث هو انقلاب السحر على الساحر، فالصورة لم تمتهن كرامة الفتاة بقدر ما امتهنت كرامة الجندى، لأنه تعدى على الأخلاق والأعراف العامة».


الجسد العارى يثير الغضب

فى بداية الحدث، عمدت بعض المواقع والصحف لتغطية عرى فتاة العباءة التى تعرضت للسحل، قبل أن تتجاهل بقية المواقع هذا مع الوقت وتعرض الصورة كما هى، ربما يثير هذا إشكاليات، خصوصا لأن الصورة بمشهد الجسد العارى تم الاستعانة بها لإثارة الغضب، هل هذا مقبول؟ تقول أسماء على: «فى البداية لم أكن موافقة على ذلك، ولكن الفتاة لم يظهر منها سوى جسدها، الذى قد يكون جسد أى مواطن مصرى، ولم نعرف وجهها أو شخصيتها هذا الذى أتمنى عدم السعى إلى كشفه». وتضيف: «أحيانا نستخدم أساليب غير متأكدين من أنها صحيحة تماما لخدمة القضية»، محيلة إلى تجربة مثل كشف فيديو الاعتداء على عماد الكبير فى قسم شرطة، حيث كان الجدل حول الحفاظ على خصوصيته أم جلب حقه. وربما تكون إحدى الأساليب غير المؤكد صحتها هى التركيز على أن الفتاة منتقبة، كأنها لم تكن لتثير الغضب نفسه لو كانت بلا نقاب أو حجاب مثلا.

هدى فايق تقول: «أرى التركيز على الصورة أمرا مقبولا، لأن المجتمع كان متبلدا وينكر الحقائق، فلا بد من مواجهته بأسلوب الصدمة، بطريقة: ها هى الحقيقة العارية أمامك». هدى تضع الصورة على رأس صفحتها على الفيسبوك، وترى أنه من الضرورى أن تظل الصورة فى أذهان المصريين، وتقول: «يجب أن تظل الصورة أمامهم، حتى بعد مرور هذه الحوادث، ليحاسب من لم يشعر بالإهانة نفسه عليها». وترى هدى أنه رغم كل شىء فالتركيز على نقاب الفتاة كان أمرا ذكيا لتفويت فرص القول بسوء السمعة.

القول بنقاب الفتاة ربما كان المقصود منه هو أن يواجه المجتمع نفسه من وجهة نظر العديد من المصريين، فالمجتمع الذى دافع الكثير منه عن حق الحجاب والنقاب للمرأة حتى عندما تم منعه من المدارس فى فرنسا، والذى امتعض أيضا الكثير منه من علياء المهدى التى تعرت بإرادتها لم يكن مستفزا جدا من الفتاة التى عراها الجيش رغما عنها.

الكاتبة عبلة الروينى لا ترى مشكلة فى استخدام الصورة، قائلة: «الصورة لا تحيل لإثارة غريزية كى نتحفظ على إظهارها فهى لم تظهر عرى الفتاة بقدر ما أظهرت عرى الجندى الذى قام بسحلها». وتضيف: «ولا يوجد تعد على خصوصية الفتاة لأننا لا نعرف وجهها ولا اسمها، وبهذه الطريقة تتحول الفتاة إلى رمز يعبر عن كل مواطن مصرى».

كلمات عبلة الروينى كان لها ما يوازيها بالفعل فى كاريكاتير انتشر على المواقع الاجتماعية، يظهر الفتاة المسحولة ملتفة بعلم مصر وكل الجنود حولها هم العراة، مع تعليق يقول: «هكذا رأينا الصورة».


التسميات: , ,

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

ضد السلطة.. من أجل العيش بلا دولة

ضد السلطة.. من أجل العيش بلا دولة
 شباب يرفضون أسلوب القطيع ويفضلون التطوع على طريقة الميدان
الفكر "الأناركى" ظهر فى التحرير وخلال حركة "احتلوا وول ستريت"

كتب - أمير زكي

يتحدث راني عدلي عن رفضه المبدئي لكل أشكال السلطة، تلك التي تؤثر عليه بشكل مباشر، بداية من سلطة الأبوين في المنزل مرورا بسلطة رجال الدين وحتى السلطات السياسية. راني لم يكن يستطيع أن يبلور رفضه هذا أو يصفه بأفكار واضحة، هذا قبل أن يقضي الوقت في ميدان التحرير أثناء أحد الاعتصامات المقامة فيه ويعرف من بعض مرتاديه عن "الأناركية" Anarchism، أو "اللا سلطوية".
يقول راني: "كانت لديّ هذه الأفكار، ولكني لم أعرف عن الأناركية إلا بعد أحداث 9 أكتوبر، كنت جالسا مع بعض الأصدقاء وجاء ذكر الأناركية، كنت أسمع أن ترجمة المصطلح هو الفوضوية، ولكن أحد الحاضرين قال لا، إن الترجمة الصحيحة هي (اللا سلطوية)". تطابقت هذه الترجمة المختلفة مع آراءه ليبدأ في إعلان أنه ذو ميول أناركية.
"الأناركية" هي فكر سياسي يرفض وجود دور للدولة ومؤسساتها في المجتمعات، ويميل للتعامل المباشر بين أفراد المجتمع والجهد التطوعي فيما بينهم، وبدأ تبلور هذا الفكر في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ورغم أن تاريخ مصر يحمل بعض الملامح لأناركيين أوروبيين تعايشوا هنا، إلا أن وجود أناركيين مصريين وتجمعهم كان مستبعدا إلى حد كبير، حتى زاد انتشار هذا الفكر، وبدأ المقتنعون به يجتمعون في الشهور التي تلت الثورة، إذ أصبح بإمكانك أن تجد عدة مدونات وصفحات على الفيسبوك تروج لهذا الفكر، هذا غير إقامتهم لاجتماعين للحوار بين المهتمين بهذا الفكر، وإصدار نشرة – وحيدة حتى الآن – تعبر عن فكرهم وإن كان تحت عنوان "الاشتراكية التحررية".
انتشار الفكر الأناركي بشكل أوسع بعد الثورة أمر له دلالته، المستمدة بشكل خاص من الثمانية عشر يوما الأولى للثورة واعتصام التحرير الأول الذي كان بلا قيادة واضحة أو بمعنى آخر بلا سلطة. يقول ياسر عبد القوي الفنان التشكيلي وأحد المقتنعين بالفكر الأناركي الذي يحاول التعبير عنه على حسابه بالتويتر: "الثمانية عشر يوما الأولى في التحرير أنشأت مجتمعا لا سلطويا، ومنظما ذاتيا، وخارج التحرير ستلاحظ أن المصريين وفي غياب تام للسلطة استطاعوا الحفاظ على مجتمعهم وعلى شعبهم، حوادث النهب والسرقة كانت قليلة جدا بالنسبة لغياب الدولة، وهذا كان أمرا مدهشا بالنسبة لشعب كان قد أسس دولة منذ القدم".
ميدان التحرير كان مثالا على المجتمع الذي لا يعتمد على سلطة أو قيادة، حيث التطوع الذي كان يتم لحراسة الميدان، ولعلاج المصابين من قبل الأطباء، أو الاعتماد على الجهود الذاتية من حيث مشاركة الطعام والأدوية، وكذلك أثناء الثورة فشوارع مصر امتلأت باللجان الشعبية التي تحمي المنازل بعد انسحاب الشرطة. وبعد الثورة كان بإمكانك أن تجد الشباب المصري يتطوع لتنظيف الشوارع وتنظيم المرور، كل ذلك كان يحدث بشكل تلقائي وناجح، وكانت هذه كلها سمات أناركية في رأي ياسر عبد القوي، ولكنه يضيف: "عندما بدأت الدولة تعود لتولي الأمور كل هذه الظواهر الإيجابية تلاشت".
رجائي موسى الأخصائي النفسي وأحد المقتنعين بالفكر الأناركي أو "اللا سلطوي" يقول: "المعتصمون في التحرير خلال الثمانية عشر يوما الأولى يمكن أن يطلق عليهم أناركيين، والشباب الذين كانوا يتوجهون إلى شارع محمد محمود في الأحداث الأخيرة، هؤلاء أيضا أناركيين بالغريزة، فلم يكن لديهم سوى أجسادهم في مواجهة السلطة".
تبرير الأناركية غريزيا يمكننا أن نجده عند الروسي بيتر كروبتكين الذي استخدم فكرة الفيلسوف اليونانى القديم زينون، باعتبار أن الطبيعة التي زودت الإنسان بغريزة الأنانية، زودته أيضا بغريزة تصحح ذلك وهي غريزة الاجتماع مع غيره من البشر.
ولكن هذه الأناركية بالغريزة التي يتحدث عنها رجائي قد تجعلنا نتساءل إذا كان هناك أناركيون بدون خلفية ثقافية تثبت ذلك؟ سامح عبود - المحامي والباحث وأحد أقطاب الاشتراكيين التحرريين - يقول: "هذا هو الواقع بالفعل فكثيرا ما يكتشف الناس أناركيتهم سواء فى المواقف العملية أو الأفكار دون أن يقرأوا حرفا واحدا عن الأناركية أو حتى دون إدراك لمعناها فالذين يتشاركون فى الجمعيات التى يقبضها أحدهم شهريا أو أسبوعيا يمارسون فعلا أناركيا دون أن يدروا بل إن بعضهم قد يكون أميا".
ولكن ياسر عبد القوي يختلف مع هذا الرأي، فهو لا يستطيع تجاهل الخلفية الثقافية، يقول: "الأناركية تتطلب صرامة معرفية، فهي ليست مثل الماركسية مثلا حيث هناك قائد فكري للمجموعة، إنما هناك مساواة معرفية بين الأناركيين". ياسر يقول إن كل واحد حر أن يطلق على نفسه أناركي، ولكنه يرى أنه من حقه هو أيضا أن يرفض تسمية بعض الأشخاص كأناركيين، يقول: "لا أستطيع أن أعتبر شخصا يدعم القطاع الخاص كأناركي، ولا من يدعم الدولة، أو من له موقف إيجابي من الرأسمالية، ولكني في النهاية لست جهة ترخيص لتحديد من هو الأناركي".

الاصطدام مع المجتمع

رفض السلطة والمساحة الواسعة من الحريات الفردية قد لا تكون مقبولة من كل أطياف المجتمع التي ربما تصطدم مع هذا الفكر والمقتنعين به، هذا الاصطدام قد يبدأ حتى بمشكلة ترجمة المصطلح، فبينما لا يرفض رجائي موسى ترجمة الأناركية بالفوضوية وكذلك ياسر عبد القوي، يرفض سامح عبود هذه الترجمة قائلا: "هي ترجمة غير دقيقة وخبيثة، وهي تهدف تنفير من يسمعها". وإن كان الأقرب للإجماع الآن هو تعريب الكلمة وليس ترجمتها.
ولكن تبقى مشكلة التواصل مع المجتمع مطروحة، يتحدث رجائي موسى عن أن الأناركية تستهدف إسقاط 3 سلطات أساسية، وهي الدولة والرأسمال والدين، ولكن أليس من المفزع أن يتم التحدث عن إسقاط الدين؟، يقول رجائي: "المقصود هو إسقاط المؤسسة المركزية للدين، أنظر إلى الدين الشعبي والولع بالأولياء، هذا الدين الشعبي ينشر السلطة وهذا هو المطلوب".
في حين يرى سامح عبود أن المشكلة طبيعية ومن الممكن تجاوزها، حيث يقول: "تقبل الأفكار الجديدة عملية صعبة في كل المجتمعات وقد رفض الناس دائما كل ما لم يعتادوا عليه ثم تقبلوه واصبح هو المعتاد لديهم فقد أصبح المجتمع متقبلا لتعليم البنات وعمل المرأة وحرية الفتاة لاختيار زوجها على سبيل المثال، فالمجتمعات وأفكار الناس لاتتغير بسهولة وما لن يتقبله المجتمع اليوم سوف يتقبله غدا".
ياسر عبد القوي يبدو أكثر تفاؤلا في إمكانية تعامل المجتمع المصري مع الأناركية، يقول: "المصري مهتم بموقف الجماعة منه، وهذا حس اجتماعي مفيد". ويضيف: "في الكثير من الأوقات في تاريخ مصر لم تكن هناك دولة، في العصر المملوكي لم تكن الدولة أكثر من جهاز جباية، وكذلك في عهد مبارك، في هذه الأوقات كان المصريون قادرون على تنظيم أنفسهم بشكل متحضر".
راني عدلي يشير إلى أنه إذا أقنعنا المواطنين الموجودين بالقرى بأنهم هم من سيختارون عمدتهم بشكل مباشر، وليس عن طريق الحكومة فالفكرة ستعجبهم، يقول: "الناس فقط بحاجة لأن يعرفوا كيف ينظمون أنفسهم بأنفسهم".
يبدو أن مسيرة الأفكار التي تجمع الإناركيين واحدة، فكلهم جاءوا من خلفية اشتراكية، وكلهم كانوا يشعرون بالعزلة لكونهم "أناركيين" قبل أن يتعارفوا على بعضهم البعض بعد الثورة، يقول ياسر عبد القوي: "أنا وجدت الأناركية عبر الماركسية، وهذا هو المسار التقليدي للأناركيين". ولكنه يضيف: "لم تكن هناك مصادر عربية عن الموضوع، ولكن مع سنة 2000 بدأت أعرف عن الأناركية عن طريق الإنترنت، كانت الأناركية من أولى الكلمات التي أبحث عنها على الشبكة، وكنت أعتقد ساعتها أننى الأناركي الوحيد في الشرق الأوسط".
يشير ياسر إلى أن هذا الشعور كان شائعا عند الكثير من الأناركيين قبل أن يتلاقوا بعد الثورة، حتى أن بعضهم لم يكن يضايقه أن يقال عنه ماركسيا في هذه الفترة. هذا يجعل هناك ارتباط بين "الأناركية" وبين الفكر الاشتراكي بكل تنويعاته، سواء فكريا أو تاريخيا، وإن كانت الأناركية ترفض الاتجاهات السلطوية في  بعض الأفكار والتطبيقات الاشتراكية.

مستويات من رفض السلطة                             

ربما كان الحس الفردي للفكر الإناركي محفزا على الاختلاف الذي يظهر عليه معتنقوه، فرجائي موسى لا يرفض كل أشكال السلطة ويرى أنه لا مفر من وجودها، وإنما يقول: "السلطة موجودة ولكنى مع لا مركزية السلطة، مع انتشارها".
في حين يرى ياسر عبد القوي أن "السلطة حاجة مالهاش لازمة"، فيقول: "السلطة لها علاقة بقطعان الحيوانات التي يكون لها قائد، من المفترض أن يتجاوز البشر ذلك". ثم يعود ليضيف: "حتى إن بعض الحيوانات يمكنها تنظيم نفسها بدون أسلوب القطيع".
هذا الرفض للسلطة ربما يتجلى في رفض عدد من المتظاهرين في مصر والمعتصمين في ميادينها لأي اسم يطرح كرئيس أو رئيس وزراء، هذا غير رفض بعضهم أيضا للانتخابات البرلمانية، سواء في هذه الفترة أو في المطلق.
"الأناركية" ترفض المؤسسات، وترفض الديمقراطية بمعناها التقليدي، إذ يقول ياسر عبد القوى إن فكرة التصويت مثلا لا يتم اللجوء إليها إلا كآخر حل لأنه من المفترض أن يكون هناك توافق وإجماع، هذا التوافق يشير إليه راني عدلي بتوافق كل المتظاهرين في ميدان التحرير على رحيل مبارك، وهو كان يميل لفكرة التوافق على مجلس رئاسي مدني، هذا الذي حاول بعض المعتصمين عمله بتوزيع أوراق لاختيار الأسماء المفضلة.
الإنترنت كوسيط مرن أصبح هو الوسيلة الأبرز في الدعاية للأناركية وأيضا لجمع المقتنعين بها، سامح عبود يشير إلى أن الأمر حتى الآن خاضع للمبادرة الفردية، وكون ما يحدث تجمعات للأصدقاء، ولكن الأناركيين بدأوا فعلا في تنظيم اللقاءات بين بعضهم البعض كما حدث مع من يسمون أنفسهم "الاشتراكيين التحرريين"، هذا الاسم الذي يعتبره ياسر عبد القوي معبرا عن جوهر الأناركية.

***

الأناركية.. فكر يظهر وينطفئ

"بلا حكام" هذا هو المعنى اليوناني الحرفي لكلمة "أناركية"، ولكن الأناركية كما نفهمها الآن تبدو وريثة حركة التنوير في أوروبا وكذلك مباديء الثورة الفرنسية: "الحرية"، "الإخاء"، "المساواة". وإعلانها أن الفرد غاية في ذاته.
"الأناركية" تبلورت حديثا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومع بداية القرن العشرين ظهرت محاولات لتطبيق الفكر الإناركي، كتمرد الفلاحين الأوكرانيين على البلاشفة أو حركة الوطنيين في أسبانيا، خبا الفكر الأناركي بعد ذلك، ولكنه يعاود الظهور كفكر متضمن في مظاهرات الطلبة في أوروبا خلال الستينيات، أو في الحركات الثورية التي ظهرت في القرن الواحد والعشرين، ومنها الثورات العربية، والمظاهرات في اليونان وبقية أوروبا، وأيضا حركة "احتلوا وول ستريت" Occupy wall street.
الفكر الأناركي يرى أنه من حق كل إنسان الإنسحاب من أي تنظيم يضره أو لا يناسبه. أما المؤسسون المحدثون للأناركية يمكن تلخيصهم في الإنجليزي ويليام جودوين، والألماني ماكس شترنر، والفرنسي برودون، والروسيان ميشيل باكونين، وليو تولستوي.
جودوين كان يرى أن كل حكم هو شر، لأن هذا يعارض كوننا نملك حكمنا الشخصي. أما شترنر فكان يجد أن وجود الدولة يتعارض مع فردية الإنسان ويقيدها، وهو كان يرفض أن يحدد لنا المجتمع ما علينا أن نقوم به، لأن المجتمع هو المفترض أن ينفذ ما نريده.
الفرنسي برودون كان أكثر عملية وأقل نظرية في التعامل مع الأناركية، برودون كان يرى أن تقويض الدولة يجب أن يقوم على مفهوم العدل، وهو كان رافضا للملكية الخاصة مثل العديد من الأناركيين، ويعدد مساويء للملكية العامة بالمعنى الشيوعي أيضا.
أما الروسي باكونين فقد كان يرى أن الدولة تفسد المحكومين وترهقهم، وتذويب الدولة يجب أن يتم باسم الحرية. مواطنه الروسي تولستوي وهو الأديب الكبير يتم التشكيك كثيرا في أناركيته، فتولستوي يختلف عن باكونين مثلا في إيمانه وكون مسيحيا، ولكنه يرى أن وجود الدولة يتعارض مع المسيحية، لذلك يجب رفض الدولة بكل أشكالها. الدولة في رأي تولستوي تخدر الفرد بما تسميه الوطنية، وتستعبده بالضرائب، وتخيفه وتفرض عليه الخدمة العسكرية لتبسط طغيانها.
ولكن الأناركية بالطبع تتعرض دوما وفي كل مكان للنقد الشديد، وأبرز هذا النقد أنها في نظر البعض تسعى لوضع مثالي – يوتوبي – لا يمكن تحقيقه.
الأناركية ليست فكرا يظهر لأول مرة في مصر، فتجلياتها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وصلت إلى مصر بالفعل، وذلك بشكل أساسي عن طريق المهاجرين اليونانيين والإيطاليين إليها، حيث أسس العمال اليونانيون اتحاد لهم بمصر باسم "أخوية العمال"، وظهرت أول جريدة أناركية بمصر باللغة الإيطالية بعنوان "العمال" وذلك من الإسكندرية، ثم انتشرت التجمعات والمنشورات الأناركية في العقود التالية. الأناركيون اليونانيون أيضا أنشأوا ما سمى "الجامعة الشعبية الحرة" التي افتتحت في عام 1901 بمسرح "زيزينيا" بالإسكندرية، وهي كانت تستهدف تثقيف العمال بالأفكار المتحررة، ولكن المشاكل المالية والخلافات الفكرية أفقدت الكثير من "أناركية" التجربة التي لم تستمر طويلا.

نُشر بجريدة الشروق 21 ديسمبر 2011

التسميات: , ,