<data:blog.pageTitle/>

This Page

has moved to a new address:

http://amirzaky.com

Sorry for the inconvenience…

Redirection provided by Blogger to WordPress Migration Service
شُغل صحافة: يوليو 2012

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

شعيرة دينية وأشياء أخرى



كتب – أمير زكي

ثلاثة أيام جمعة أساسية كانت من ضمن الـ11 الأولى من ثورة 25 يناير، حاملة معها مليونيات عزيزة على كل من شارك فيها، تخلى الرئيس السابق عن السلطة في الجمعة 11 فبراير، لتصبح الجمعة التي تليها أقرب لجمعة احتفالية، من ضمن ذلك صلاة الجمعة وخطبتها، كانت خطبة يوسف القرضاوي إيجابية باحتفائها بالثورة وإنجازها الرئيسي من خلع مبارك، ونسبها لكل المصريين من مختلف دياناتهم وأطيافهم، ولكن كون القرضاوي ينتمي بشكل أو بآخر لجماعة الإخوان المسلمين حمل رسالة غير مريحة لبعض الناس، حتى أن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل قال إن البعض قد يشبه هذه التجربة تجربة مجيء القرضاوي من قطر ليخطب في جمعة ما بعد انتصار الثورة، بعودة الخميني إلى إيران. 

لخطبة الجمعة أهمية محورية في الثقافة الإسلامية، سواء كانت الخطبة دينية بحتة، أو تعبر عن حالة البلد الذي تلقى فيه، أو أن يتم استغلالها بسبب غير ديني. فإلى جانب قيامها بدورها لزيادة الوعي الديني فقد استخدمت في صراعات سياسية ومذهبية. 

فخطبة الجمعة الأولى التي ألقاها الرسول في المدينة المنورة تحدثت عن التقوى ولكنها أيضا حثت على الجهاد لصالح الدين ومعاداة أعداءه. وإن كنا لا نملك حاليا الكثير من خطب الرسول. سارت خطب الخلفاء الراشدين في طريق تدعيم الدين، فأبي بكر الصديق في خطبة له يؤكد على ضرورة الإخلاص لله والاتعاظ من مصير السابقين، وفي خطبة لعمر بن الخطاب يبدو الخليفة الثاني أكثر اهتماما بالتفاصيل من حيث دعوته لعدم التشبه بالعجم أو الجلوس في مجلس خمر. 

خطب الجمعة كثيرا ما كانت تستخدم سياسيا، في كثير من العصور الإسلامية وربما حتى الآن فتوحيد الدعاء للحاكم في خطب الجمعة هي أحد الوسائل الأساسية لتدعيم حكمه، فيذكر أسامة محمد أبو نحل الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الأزهر (غزة) في دراسته عن حركات التمرد في مصر في بدايات العصر العثماني أن أحمد باشا تمرد على السلطنة العثمانية وأعلن سلطنته على مصر، وأن لا يكون مجرد واليا، وكان من الإجراءات التي أصر على أن تنفذ ليدعم سلطنته إلى جانب سك العملة باسمه أن يذكر اسمه في خطبة الجمعة. وفي دمشق في عهد الحروب الصليبية مال حاكم دمشق الصالح إسماعيل للتعاون مع الصليبيين، هذا الذي جعل الشيخ عز الدين ابن عبد السلام ينتقده خطبة الجمعة ويمتنع عن الدعاء له، هذا الذي اعتبر تلقائيا من قبل الصالح إسماعيل عصيانا له وأمر بسجن الشيخ.

 في تاريخ أبكر من ذلك كانت خطبة الجمعة ميدانا للصراع بين المذهبين الشيعي والسني في مصر، الذي هو الخلفية للصراع السياسي بين الفاطميين والعباسيين. فجوهر الصقلي عندما جاء إلى مصر حاملا لواء الحكم الفاطمي أنشأ الجامع الأزهر لينشر الفكر الشيعي، قرر أن يتم التوقف بالدعاء للخليفة العباسي في خطبة الجمعة لصالح الدعاء للحاكم الفاطمي، إلى جانب الدعاء لفاطمة ابنة الرسول والحسن والحسين، كما يذكر الكاتب جمال بدوي في كتابه "الفاطمية.. دولة التفاريح والتباريح". ولكن عندما حكم صلاح الدين الأيوبي مصر أوقف نشاطات الجامع الأزهر مركز الفكر الشيعي آنذاك ومن ضمنها خطبة الجمعة. ومن ضمن تخلص دولة صلاح الدين الأيوبية من التأثير الفاطمي الشيعي قرر أن يوقف العمل بالجامع الأزهر، وقرر أن يعيد الآذان بـ "حي على الفلاح" بدلا من "حي على خير العمل" وطلب أن يتم ذكر جميع الخلفاء الراشدين في خطبة الجمعة، معتمدا على عدة مفكرين من ضمنهم القاضي الفاضل، أو محي الدين بن زكي الذي خطب أول جمعة بعد فتح بيت المقدس التي كانت احتفالية وإن حذرت من الفرقة بعد الانتصار. وخطبة الجمعة التي اختفت من الجامع الأزهر لسنوات طويلة تصل لمائة عام عادت إلى جانب نشاطات الأزهر العديدة على يد حاكم مصر المملوكي الظاهر بيبرس.

عديدون هم الخطباء البارزون في التاريخ الحديث لمصر، وربما كانت المنازعات اللسانية بينهم وبين السلطة في ذروتها في عهد الرئيس السادات الذي وصف أحد الخطباء الذين ينتقدونه بقوله: "آهو مرمي في السجن زي الكلب". الشيخ أحمد الشرباصي أيضا يعتبر من خطباء مصر البارزين، كتابته للخطب قبل إلقاءها أدت إلى إمكانية جمعها في خمسة مجلدات بعد وفاته، تمتد خطابة الشرباصي في مجلداته من الخمسينيات إلى السبعينيات، وقد توفى عام 1980، ضمن أحداث بارزة في التاريخ المصري، في خطبة له عام  1968 اعترض – وهو دارس الأدب العربي – على القول بإن فرنسا هي أول من أبدع أدب المقاومة، إذ قال إن المسلمين كانوا أسبق لأدب المقاومة وروح المقاومة من الفرنسيين. يبدو أن الشرباصي كان مهتما بشكل خاص بالتجربة الفرنسية، في خطبة عام 1951، اعترض على الاحتفاء بالثورة الفرنسية في خطبة له بقوله إن الإسلام كان إصلاحا مبصرا ولم يكن ثورة عمياء. وفي نقده في نهاية الخمسينيات للشيوعية أو "الاستعمار الشيوعي" هاجم بشكل خاص الخطر الروحي الذي يمثله هذا الفكر على الإسلام. الشرباصي كان قد اعتقل عام 1949 لميله للإخوان المسلمين، ولكنه استغل فترة الاعتقال ليكتب "مذكرات واعظ أسير". 

ولكن من ضمنهم يبقى الشيخ عبد الحميد كشك نموذجا فريدا لتأثيره وأقواله اللاذعة وطرائفه، معتمدا على سرعة بديهته ولهجته الفلاحية التي تصل بسهولة لقلوب وأذهان المستمعين. ومن طرائفه أن يقول: "بيقولوا على مصر دولة نامية، نامية ولا بامية؟"، أو أن يسخر من تجربة شخص نصاب قائلا: "أبوك كان بيحل الخط بكماشة". الشيخ كان رافضا للعديد من مظاهر الثقافة في مصر كقوله: "كل يوم فيلم ومسرحية في التلفزيون لحد ما المعاملة كلها بقت تمثيل"، ولكن ذكره لرموز فنية كشكوكو وعبد المنعم مدبولي وأم كلثوم وعادل إمام قد يوحي مع ذلك أنه كان متابعا بشكل أو بآخر ولو من بعيد تجاربهم. ارتبط الشيخ عبد الحميد كشك بخطبة الجمعة من مسجد عين الحياة بحدائق القبة، حياته الخطابية انقطعت أكثر من مرة بسبب اعتقال السلطات السياسية في مصر له أكثر من مرة، وعندما خرج من السجن عام 1982 إذ كان قد اعتقل ضمن اعتقالات الرئيس السادات للعديد من الرموز في سبتمبر 1981 منع من الخطابة حتى نهاية حياته، حتى مات وهو يصلي الجمعة عام 1996.

نشر بجريدة الشروق 31/7/2012
العدد PDF

التسميات: , ,

الاثنين، 16 يوليو 2012

من بولاق الدكرور إلى جنوب فرنسا.. التجربة تختلف


كتب - أمير زكي

شقة ببولاق الدكرور في بداية الستينيات كانت البداية لظهور أديبين مصريين كبيرين فيما بعد، القاص يحيى الطاهر عبد الله والشاعر عبد الرحمن الأبنودي اللذان أتيا من قنا وتقاسما الشقة (مع آخرين) لتكون محل قريب من وسط البلد في بداية الستينيات من القرن الماضي. 

"كنت أسكن بشقة بوسط المدينة، قبل أن يأتي أخي ويحيى الطاهر عبد الله ويسكنان بشقة ببولاق الدكرور، فاضطررت أن أنتقل وأعيش معهما". ويضيف الأبنودي أن الشقة ذات الثلاث غرف لم يكتف يحيي الطاهر بأن يزودها بثلاث أسرة فقط بل أحضر ثمانية أسرة، لتكون الشقة ملتقى المثقفين القادمين من الأقاليم في هذا الوقت. 

يصف عبد الرحمن الأبنودي الشقة في مقال كتبه عن يحيى الطاهر عبد الله بجريدة أخبار الأدب بأنها "شقة حقيرة مليئة بالأسرة.. كانت أشبه بالملكية العامة... وحوّلها يحي الطاهر إلى ما يشبه سوق الثلاثاء".

يذكر الأبنودي أنه أثناء سكنه في هذه الشقة كتب ديوانه "الزحمة" وكان متحققا ككاتب للأغاني. في حين أن يحيى الطاهر عبد الله أكمل في هذه الشقة مجموعته القصصية الأولى "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالا"، يقول الأبنودي: "هو كان قد كتب قصتين منها في قنا، وأكمل المجموعة في شقة بولاق الدكرور".

شارع البلتاجي ببولاق الدكرور الذي كان يضم الشقة كان محل أحداث إحدى قصص المجموعة الأولى ليحيى الطاهر، والتي حملت عنوان "35 البلتاجي 52 عبد الخالق ثروت". العنوانان اللذان يحددان محل عمل عباس دندرواي الموظف بوزارة الإسكان والمرافق، والشخصية الرئيسية بالقصة، ومحل إقامته ببولاق الدكرور. 

يذكر الأبنودي كيف كان يحيى يغلق على نفسه باب غرفته أثناء الكتابة، ويظل يكتب ويدخن، ويرفض أن يفتح أحد عليه الباب حتى من أجل أن يدخل له الهواء النظيف.

وفقا لرواية الأبنودي فقد كانت الشقة محط تجمع كل أصدقاء الكاتبين، يذكر الأبنودي أنها كانت مقصدا لأسماء شهيرة أخرى مثل الشاعر أحمد فؤاد نجم والملحن كمال الطويل، ولأن الأبنودي كان أسبق من يحيى الطاهر عبد الله في الشهرة، وربما تنوع نشاطه بين الشعر وكتابة الأغاني جعله أغنى نسبيا، فيذكر في المقال أنه كان يضطر أن يصرف على كل مرتادي الشقة، يقول الأبنودي: " كتابة الأغاني هي التي كانت تصرف علينا".

عبد الرحمن الأبنودي ويحيى الطاهر عبد الله إلى جانب أمل دنقل، الذين أتوا جميعا من قنا، وإن كان الثاني من أصل أقصري، أصبحوا ثلاث علامات بارزة في تاريخ الأدب المصري، الأبنودي في شعر العامية إلى جانب إسهاماته في كتابة الحوار للسينما بل وفي تحقيق السيرة الهلالية، ويحيى الطاهر عبد الله في فن القصة القصيرة، وأمل دنقل في شعر اللغة العربية، وتذكر الكاتبة عبلة الرويني في كتابها عن أمل دنقل "الجنوبي" أن دنقل ويحيى الطاهر عاشا في غرفة واحدة بفندق الخليج بشارع طلعت حرب لمدة شهر قبل أن يتركا معا السكن. وفقا للرويني أطلق أمل دنقل على هذا الشهر اسم "شهر العذاب" إذ لم يستطع أبدا أن يحتمل صخب يحيى الطاهر عبد الله.

ويذكر عبد الرحمن الأبنودي أيضا شقة هامة أخرى وهي شقة بالعجوزة، شقة العجوزة ضمت العديد من الأدباء والفنانين التشكيليين، وكانت مقر تجمع المثقفين في هذه الفترة حيث كان يتردد عليها بخلاف الأبنودي ويحيى الطاهر، الفنان عدلي رزق الله والشاعر سيد حجاب والناقد سيد خميس، الذي بحسب الشاعر عبد الرحمن الأبنودي كان غالبا ما يتحمل تكاليف هذه الشقة.  

مشاركة أكثر من فنان بيت واحد هو أمر شائع في العالم لأسباب متنوعة، وإلى جانب طرافة ذلك، فللأمر آثاره الجانبية السيئة أيضا. البيت الأصفر بمدينة آرل بجنوب فرنسا هو بيت استأجره الرسام الهولندي الشهير فان جوخ عام 1888 ليكون مسكنا له وحافظا للوحاته، فان جوخ دعا الرسام الفرنسي بول جوجان (الذي كان قابله في باريس من عدة شهور) ليقضي الوقت معه في البيت الأصفر، راغبا في أن يكون البيت تجمعا للفنانين، بعد عدة محاولات للإقناع من قبل فان جوخ وأخيه قبل جوجان أن يعيش في نفس البيت مع فان جوخ في مدة زادت عن الشهرين. ولكن الشهرين لم يمرا بهدوء، في البداية عمل الرسامان معا في تجاربهما بحماس، قبل أن يختلفا فنيا، ويهدد جوجان فان جوخ بأن يرحل، اضطرب فان جوخ الذي خشي من الوحدة، وفي يوم مضطرب، حتى أنه مضطرب بالنسبة لنا لعدم تأكدنا من أحداثه أيضا، قطع فان جوخ جزء من أذنه ولفها في قطعة من جريدة وأعطاها لعاهرة. جوجان الذي رأى تدهور حالة فان جوخ النفسية قرر أن يستدعي الشرطة ويرحل من البيت الأصفر. مؤخرا ظهرت مزاعم أخرى أطلقها مؤرخون ألمان بأن جوجان هو الذي قطع أذن فان جوخ أثناء شجار، وغيّر الفنانين الحقيقة، الأول ليتجنب الاتهام، والثاني ليحافظ على صداقته بجوجان الذي كان معجبا به جدا. على أي حال ففان جوخ الذي تدهورت صحته النفسية وأخذ يتنقل بين البيت الأصفر والمستشفى، أغلق أمامه البيت عندما طالب ثلاثين من أهل المدينة في عريضة للشرطة بالتخلص من هذا "المجنون ذي الرأس الأحمر".

نُشِر بجريدة الشروق 16 يوليو 2012

التسميات: , ,

الأحد، 8 يوليو 2012

رئيس بلا بطولة

بعيدا عن الطابع العسكري لم تعد الكاريزما هي الحل
كتب - أمير زكي

 
يقف أربعتهم في كلية التجارة بجامعة القاهرة في اليوم التالي الذي زار فيه جامعتهم رئيس جمهورية مصر الحالي محمد مرسي وألقى أحد خطاباته بعد توليه السلطة.. ترى رحاب أن خطاب الجامعة كان جيدا خاصة أن مرسي أظهر احترامه للطلاب باعتذاره عن تأجيل امتحاناتهم، بينما يرى شعراوي ومحمود أن العبرة تكون بالصدق في الكلام الذي قاله، بينما تتشكك أميرة التي ترفضه من البداية في خروجه عن تأثير جماعة الإخوان المسلمين.

في خطابه الأول بمبنى التلفزيون وقف رئيس جمهورية مصر محمد مرسي يخطب في الشعب المصري، يرتدي نظارة طبية، مطلقا لحيته، شعره مصفف "على جنب"، يبدأ الخطاب بآية قرآنية، ويدعو الشعب المصري "بأهلي وعشيرتي وإخواني وأبنائي"، الخطاب تضمن أيضا شكر من رئيس مصر المنتخب إلى كل محافظة مصرية، وأيضا شكر العديد من العاملين بالمهن المختلفة بمصر حتى سائقي التوكتوك، هذا الشكر لكل فصيل بمصري بالاسم جعل أحد شباب الفيديوهات الساخرة على اليوتيوب يخلط بين الخطاب وبين "نوباتشي" في فرح شعبي يقول للحاضرين "واللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق" كسخرية من كلمة مرسي.
قد ينزع البعض للسخرية من البساطة والشعبية في كلمة مرسي ومن أدائه كرئيس للجمهورية، لكن البعض الآخر قد يحتفي بهذه البساطة والشعبية التي تشبه كلمات شخص بسيط يحتفل في مناسبة سعيدة، ولكن سواء مال المتابع لأداء مرسي لهذا الرأي أو ذاك فهو بلا شك لن ينزع عن ذهنه المقارنة بينه وبين حكام مصر السابقين.

صورة حاكم المصريين تباينت على مر العصور، ما بين الفرعون الإله في مصر القديمة، إلى الغزاة بكافة أشكالهم الذين تم التعامل معهم بخوف ممزوج بالاحتقار، حتى عاد الحكم المصري بقيادة جمال عبد الناصر الذي كانت صورته أشبه بصورة المصريين، قادم من الصعيد، يتحدث عن العدالة والكرامة، يتعامل مع العالم الغربي بمنطق الند وبمنطق ابن البلد، زوجته غير معروفة للشارع المصري كزوجات المصريين،  بالإضافة إلى كونه خطيبا مفوها يتحدث مع المصريين من قلبه، إلى جانب خلفية عسكرية تضيف عليه بعض ملامح الجدية والبطولة.

تحول الأمر مع الرئيس السادات الذي كان يمارس أداء أمريكيا كرئيس للجمهورية، إذ اهتم بصورته وأناقته وملابسه، ظهر دور كبير لزوجته ذات الأصول الإنجليزية، بالإضافة إلى اهتمامه بالدين كرئيس لبلد شرقي وعريق دينيا. ورغم أن هذه الصورة كانت مبهرة لوسائل الإعلام العالمية، إلا أنها لم تثر كثيرا المصريين.
سار الرئيس السابق مبارك على خطى تشبه خطى الرئيس السادات، ولكن مبارك الذي لم يكن يتمتع بكاريزما السادات، ولم يعش مثله قصص كبرى على المستوى المحلي أو العالمي لم يكن أداءه مرضيا، فالضجر مثلا الذي كان يصيب مستمعي خطبه المتشابهه التي كان يقرأها في المناسبات الوطنية كان هو سمة عصره الراكد لفترات طويلة، ولم يجد من حوله بطولة تنسب إليه سوى قيادته للضربة الجوية في حرب أكتوبر، أو نسب صفة الحكمة إليه على مستوى السياسة الخارجية، تلك الصفة التي ظهر افتعالها بصورة مركبة بجريدة الأهرام يظهر فيها متقدما أوباما ونتنياهو وأبو مازن والملك عبد الله، رغم أنه كان في مؤخرة هذه المجموعة.

"مرسي ليس لديه ما يعايرنا به". تقول د. عزة عزت أستاذة الإعلام بجامعة المنوفية وصاحبة كتاب صورة الرئيس (مركز الحضارة العربية 2005)، مشيرة إلى أن حكام مصر السابقين كانوا دائما ما يستندون على بطولة لتتيح لهم الشعبية في مصر. وتضيف: "لكن قد يفيده الظرف التاريخي المتعلق بثورة شعبية مثلما أفادت الظروف التاريخية من قبله".

ترى د. عزة أن مرسي قدم رسائل متنوعة في خطبه السابقة، فهو تعامل بذكاء سياسي عندما حلف اليمين في المحكمة الدستورية وقبلها في ميدان التحرير، ثم في جامعة القاهرة، فهو بالتالي استقطب القضاة وأرضى العسكريين مثلما أرضى البسطاء في خطابه الأول: "وإن كان تضييقه على نفسه في الخطاب الأول بذكر كل فصيل بعينه جعله يعتذر عمن نسيهم". وهي ترى أيضا أن خطبه قدمت رسائل متنوعة للشعب، تقول د. عزة عزت: "الخطاب الأول أظهر أنه طيب وعطوف، أما خطاب ميدان التحرير فقد كان موجها للثوار". ترى د. عزة عزت أننا حتى الآن كل ما نستطيع أن نحكم عليه هو الصورة التي قدمها محمد مرسي وليس شخصيته التي ستظهر مع الوقت، ولكنها مع ذلك تقول: "مرسي انتصر على الانطباع الأول المأخوذ عنه، من كونه لا يتمتع بكاريزما ويميل للتبعية، فتقرب من البسطاء والثوار وتصرف بشكل فيه شجاعة".

بالمقارنة ببدايات الحكام السابقين تقول د. عزة عزت: "كل الحكام كانوا محبوبين في البداية، وكل البدايات كانت مشرقة".

ربما يعود هذا إلى الملك فاروق، الذي كان الاحتفال بتنصيبه ملكا على مصر حاشدا، كذلك ثورة يوليو التي استقبلها الشعب بإيجابية خاصة في صورة الرئيس محمد نجيب، احتاج كل من عبد الناصر والسادات لأحداث تعزز صورتيهما لدى الشعب المصري، سواء كان ذلك بدون قصد منهما كما يقال عن حادث تعرض الرئيس جمال عبد الناصر لمحاولة اغتيال في المنشية، أو مقصودا كصفقة الأسلحة التشيكية وتأميم قناة السويس في مواجهة جريئة وصريحة مع قوى الاستعمار الغربي، أو حرب أكتوبر التي قادها السادات في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء.

صناعة الآلهة

في روايته "ثرثرة فوق النيل" التي كانت ضمن مجموعة روايات تضمنت انتقادا سياسيا لفترة الستينيات كتب نجيب محفوظ: "لم يكن عجيبا أن يعبد المصريون فرعون ولكن العجيب أن فرعون آمن بأنه إله." هذه الحقيقة التاريخية التي عندما تكتب تتحول إلى مفارقة مثلما في جملة محفوظ تمثل نمط متكرر في علاقة الشعب المصري بحكامه، فالتقدير الأولي للحاكم الذي غالبا ما يتعزز بعمل جليل أو بطولة، يتحول إلى تأليه، يستغله هذا الحاكم وحاشيته فيما بعد، ويتحول إلى وبال على المصريين. ومن البداية هناك أصوات ترفض انتقاد مرسي بأشكال متنوعة، فما أن خرجت أصوات منتقدة شكل الملابس التي ترتديها زوجته حتى تم الهجوم على المنتقدين بحجة أنها تشبه العديد من أمهات المصريين، بالإضافة إلى أن أي انتقاد مبكر له يقابل بكلمات تشبه: "اتركوا له فرصة". يقول د. عاصم الدسوقي المؤرخ والعميد السابق بكلية الآداب: "هذه هي طريقتنا، حرّص ولا تخّون".

ولكن ما أن ذكرت توصيف خطاب مرسي الأول بأنه خطاب شعبي أمام د. عاصم الدسوقي حتى قال: "هل ستبدأون بصناعة الآلهة؟!".

لم ير د. عاصم الدسوقي أن الخطاب على بساطته كان شعبويا، يقول: "كان خطابا إخوانيا دينيا يعتمد على مصطلحات مثل (أهلي وعشيرتي)". ولأنه يستخدم آيات قرآنية يرى الدسوقي أنه يشبه في ذلك تجربة السادات، ولكن بعد خطابه في جامعة القاهرة، يرى الدسوقي أنه يستخدم تفاصيل ناصرية، يقول: "إنه حتى يتحرك في نفس دوائر عبد الناصر العربية والإسلامية".

لا يرى د. عاصم الدسوقي في محمد مرسي شخصية كاريزمية، يقول عنه: "هو لا يبتسم ولا يشعرك بالألفة، وبالتالي أنت تخاف منه ولا تثق فيه". ولكن هل هذه الصفات ستؤثر على تجاوب الشعب معه، يقول: "المواطن العادي لا يهمه من الرئيس سوى قضاء مصالحه وحوائجه، بعدها فليفعل ما يفعل". ويرى الدسوقي أن هذا الرئيس الذي يمثل ما يسميه الدولة المعيلة لم يأت في تاريخ مصر سوى مع محمد علي وجمال عبد الناصر. 

يعتبر البعض أن عدم وجود بطولة سابقة لمرسي ملمح إيجابي، فهو يعني أن يتخلص المصريون من فكرة الرئيس الإله والقائد والحكيم نحو رئيس موظف.

 ***
 
العالم يتقبل الاختلاف


ذكر أبيض وبروتستانتي، هذه هي الشروط غير المكتوبة التي اعتاد المواطن الأمريكي أن يكون رئيسه حاصلا عليها، ولكن في انتخابات عام 1960 بأمريكا ترشح جون كينيدي الكاثوليكي لرئاسة الولايات المتحدة، ولكي يخفف وطأة الاختلاف على الشعب الأمريكي قال في أحد خطاباته: "أنا لست مرشحا كاثوليكيا للرئاسة، أنا مرشح الحزب الديمقراطي وصادف أن أكون كاثوليكيا". وأمام شائعة كونه سيتلقى التعليمات من بابا روما، قال في خطاب آخر: "لا تتوقعوا مني أن أدافع عن كل تصرف أو تصريح من كل بابا أو قس".
كان كينيدي يحاول في حملته ألا يعتبر الأمريكيون الكاثوليكية معيارا للحكم عليه، أو لتفضيل المرشح المنافس ريتشارد نيكسون المنتمي للحزب الجمهوري والبروتستانتي للأسباب الدينية.مع نهاية العام استطاع جون كينيدي أن يفوز بالانتخابات بفارق ضئيل على نيكسون.

48 عاما مرت قبل أن توضع الولايات المتحدة في اختبار صعب مشابه، اختبار الرجل الأبيض البروتستانتي، واختبار قدرتها على تقبل الاختلاف، حينما وصل الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما مرشح الحزب الديمقراطي لينافس على الرئاسة أمام جون ماكين، كان التشكك كبيرا في أن يقبل الناخب الأمريكي أفريقيا أمريكيا ليكون رئيسا لبلده، ولم يكن أوباما يحارب على هذه الجبهة فقط، فقد كان عليه أيضا أن يفند ما قيل عنه أنه مسلم الديانة، خاصة لأن أبيه الكيني من أصول مسلمة، إذ قال في أحد خطاباته في 2008: "لقد كنت أتوجه إلى نفس الكنيسة المسيحية لمدة عشرين عاما، لقد أقسمت على الكتاب المقدس، وطالما كنت في مجلس الشيوخ الأمريكي فقد أقسمت يمين الولاء للعلم الأمريكي، لذا فإذا وصلكم بريد إلكتروني سخيف، فأعيدوه لصاحبه وأخبروه أن هذا جنون. ومن الأفضل أن تتعلم". وكان يشير إلى حملة بالبريد الإلكتروني تدور على المواطنين الأمريكيين لتقنعهم بأن أوباما مسلم. ولكن كون أوباما أفريقيا أمريكيا أو كون عائلة أبيه مسلمة، أو حتى كونه قد جاء من طبقة ربما أقل من المتوسطة وكذلك زوجته ميشيل لم يمنعه من أن يفوز على جون ماكين ربما لأسباب تتعلق بصغر سن أوباما بالمقارنة بمنافسه، أو بقدرته الباهرة على الخطابة وبرنامجه المتوجه لقضايا طبقات أوسع.

الرئيس المختلف لبلد ما هو نتاج تأثير وتأثر بالثقافة التي ينتمي إليها، عندما فاز الفرنسي فرانسوا أولوند برئاسة جمهورية بلده لم يصطحب مع إلى قصر الإليزيه زوجة رسمية بل اصطحب صديقته فاليري تريافيلر، لتقول الصحف العالمية أنها "الصديقة الأولى"، بدلا من "السيدة الأولى". 

الصور المختلفة للحكام الجدد للبلاد قد تقابل برفض في البداية خاصة بالمقارنة بالحكام السابقين، ولكن قد تعتاد الشعوب عليها مع الوقت، وتبقى الصورة هي الظاهر من أداء الرؤساء والحكام، ويبقى أداؤه العملي في النهاية هو المقياس الأهم للحكم عليهم.

نُشر بجريدة الشروق 8 يوليو 2012

التسميات: , ,